الدكتور أحمد عكاشة، الطبيب النفسانى المرموق، المهتم بالشأن العام، صاحب قلب مترع بالمحبة، ولا يخلو من شفقة،
يصغى، بكل كيانه، وبجدية، إلى حديث الآخر، ويحاول، بجلد وأفق واسع، أن يتفهمه، ويستوعبه، أيا كانت درجة خبل المتكلم.. ملامح وجه العلامة، تنطق بتلك الرحمة التى لا تتأتى إلا لمن عايش، بحس يقظ، متاعب وأوجاع أصحاب الشكايات، ولعل الأهم، والأكثر امتاعا، متابعة انفعالات الدكتور، بهدوئها الذى يخفى صخبا غاضبا، وتعليقاته ذات الخصوصية الفريدة، حين يستمع لكلام شديد الاستفزاز، ينطوى على رؤية متجنية، غارقة فى كراهية زنيمة.
هذه الإشارة، الجديرة بالرجل المستنير، بمناسبة حلقة يوم الاثنين 29/10 من برنامج «العاشرة مساء» الذى يقدمه وائل الإبراشى، الذى تعرض لقضية التحرش بالنساء، وأورد مقطعا عجيبا من إحدى القنوات، يظهر فيه رجل وقور، ذو لحية بيضاء، تتمشى مع غطرته وجلبابه الناصع البياض، يبتسم بثقة وهدوء، ويؤكد، بيقين مذهل، أن المرأة هى أصل كل شرور، وأنها الدافع والسبب فى التحرش بها، حتى لو كانت محجبة أو منتقبة.. ذلك أنها، حتما، خرجت من بيتها بلا ضرورة، وبالتالى فإن الله ــ سبحانه وتعالى ــ سلط عليها هذا الشيطان المدفوع دفعا، بقوة إلهية، كى يتحرش بها.. ويواصل الرجل هذيانه الممجوج الذى يدين الضحايا ويبرىء المذنبين.. عندئذ، فى رد فعل متحضر، ابتعد الطبيب النفسانى المحترم عن أى كلمات نابية أو حتى غاضبة، مكتفيا بجملة واحدة، بليغة، كررها عدة مرات، لا تهاجم ولا تجرح، ولكن تشفق، كما لو أنه إزاء حالة مرضية تثير الأسى. قال «إنه أمر محزن، محزن للغاية».
كلام ذو اللحية البيضاء، قد يبدو تافها، لكن خطورته أنه يمهد الطريق إلى ما هو أسوأ.. والأسوأ نراه مجسدا أمامنا فى فيلم تسجيلى عرض فى مهرجان أبوظبى، بعنوان «إنقاذ الوجه»، أخرجه دانييل جونج، مع المراسلة الصحفية الباكستانية المولد، شيرمين عبيد شينوى، التى لاحظت، أثناء تجوالها فى بلادها، أن مئات النساء، يعشن محطمات الروح، بوجوه مشوهة، بسبب رشهن بأحماض حارقة، أقرب لما النار، من أزواجهن وآخرين، تأديبا لهن، على أساس أنهن، ناقصات عقل ودين..
الفيلم، يتابع بتقدير رفيع، ما يقوب به طبيب من نوعية أحمد عكاشة، ولكن فى مجال جراحة التجميل: محمد جواد، الباكستانى المقيم فى لندن، يعود لوطنه بهدف إعادة الملامح الإنسانية التى شوهتها الحروق وجعلتها مرعبة ويائسة.. من خلال مريضاته نتعرف على واقع مر، فالفقر يجبر النساء على الصمت والخنوع من ناحية، وجهل الرجال، بما يستمعون إليه من آراء متخلفة، تفتح لهم طريق تأديب المرأة، على هذا النحو البشع، وهى الناحية الثانية التى تمثل قاعدة فكرية لاضطهاد النساء..
لكن، ها هى، إحدى المجنى عليهن، أصرت، على ملاحقة زوجها المجرم، قضائيا، بمساعدة ذوى الضمائر اليقظة، إلى أن صدر الحكم عليه بالسجن مدى الحياة.. لكن الحكاية، واقعيا، لم تنته. فها هما اثنان من أشباه الرجال، مدججان بالسلاح، يقتحمان عربة تلميذات فى إقليم سوات، ويطلقان رصاصات الغدر على «ملالا يوسف» 14 عاما، لأنها تطالب بتعليم البنات. الرجلان حتما، استمعا طويلا لأفكار مثل التى قالها ذو اللحية البيضاء، والتى أحزنت الدكتور أحمد عكاشة، وأزعجتنا، فعواقبها وخيمة.. انتهى!«