بعد ثورة 25 يناير والتي خرج فيها الشعب المصري يعلن إسقاط دولة الاستبداد، ويطالب بالحرية، ودفع الثمن غالي من أرواح الشهداء والشهيدات، كان
من المتوقع أن ننتقل إلى دولة الديمقراطية والقانون، وأن تصان الحقوق والحريات، لكن ما حدث هو العصف بكل ركائز الديمقراطية، والهجوم على مؤسسات القضاء والإعلام، ويجري الآن العمل على مصادرة حق أساسي وأصيل للشعوب وهو الحق في التنظيم، فخرجت علينا وزارة التأمينات والشئون الاجتماعية بمشروع قانون جديد للجمعيات والمؤسسات الأهلية، أقل ما يمكن وصفة بأنه نموذج للقوانين القمعية والتي تعيد إنتاج السلطوية،وقد فشلت وزارة التضامن الاجتماعي في تمرير هذا القانون في عهد مبارك، وعادت لتقدمه في ظل سلطة المجلس العسكري بعد تعديلات جعلته أكثر سلطوية فتم رفضه من لجنة حقوق الإنسان في البرلمان المصري، وبعد ذاك تعود الحكومة وتقدمه الآن بعد إجراء تعديلات إضافية عليه تستهدف العصف بحرية التنظيم بشكل عام وليس المجتمع المدني فحسب.
فالمشروع الجديد يعكس في أول مواده الخاصة بالتعريفات قدر كبير من عدم فهم لمعنى المجتمع المدني، ففي المادة (1) بند (1) يقصر تعريف العمل الأهلي على الأهداف الإنسانية والتنموية دون الحقوقية والتي تعد أساسا من أسس أهداف العمل الأهلي، كما يحظر في المادة 11بند(5)إجراء مشروعات في مجال العمل الأهلي دون موافقة الجهات المعنية وهو ما يسمح بالهيمنة الحكومية على جميع أنشطة العمل الأهلي، بالإضافة لوضع العوائق المالية أمام تأسيس المؤسسات الأهلية ففي تعريف المؤسسة في المادة (1) باعتبارها “شخص اعتباري ينشأ بتخصيص شخص أو أكثر من الأشخاص الطبيعيين أو الاعتبارية أو منهما معا، مالا لا يقل عن مائتين وخمسين ألف جنيه عند التأسيس” ثم يحول هذا المبلغ إلى مال عام في المادة (3) ، وهذه المادة تحرم الكثير من الفئات من حقهم في تأسيس مؤسسة أهلية، وتجعله قاصر على من يمتلك هذه الاستطاعة المالية، أو يجبر على اخذ شكل الجمعية الأهلية
كما تضمن المشروع مادة تفرغ النص الدستوري في الدستور الجديد من مضمونه فينص على أن إشهار المؤسسات بالأخطار بينما المادة (6) من مشروع القانون تنص على أنه “تثبت الشخصية الاعتبارية للجمعية بحصول هذا القيد أو بمضي (ستين) يوما من تاريخ الإخطار بتأسيسها، أيهما أقرب” لكنه يعود ويقرر حق امتناع الجهة الإدارية عن القيد، وعلى المؤسسين آنذاك اللجوء للقضاء، أي أنه في الممارسة العملية يحول الإخطار إلى تصريح، وعلى أرض الواقع تكون الإجراءات ذاتها هي التي تتم في ظل القانون الحالي وهي محط اعتراض المنظمات والخبراء في هذا المجال.
كما عانت المنظمات غير الحكومية على مدى السنوات الماضية من تدخل الأمن في شئون المنظمات وإعاقة أنشطتها فجاء مشروع القانون يقنن للتواجد الأمني ويعترف بدوره وينص صراحة على تعدد الأجهزة الأمنية والحكومية التي لها الحق في التدخل في عمل المنظمات وإعطائها الموافقة على الحصول على التمويل مما يسمح للحكومة السيطرة والتحكم في المنظمات غير الحكومية ويفقدها الاستقلالية فالمادة (57) الخاصة بـ”إنشاء لجنة تنسيقية للبت في كل ما يتعلق بنشاط المنظمات الأجنبية غير الحكومية في مصر والتمويل الأجنبي، وتشكل بقرار من رئيس مجلس الوزراء برئاسة الوزير المختص وعضوية ممثلين للوزارات والجهات الآتية يختارهم الوزراء المعنيون: ممثل لوزارة الخارجية، ممثل لوزارة العدل، نائب لرئيس مجلس الدولة يختاره رئيس المجلس، وزارة الداخلية، ممثل لوزارة التعاون الدولي، ممثل لوزارة الشئون الاجتماعية، ممثل لهيئة الأمن القومي، ممثل للبنك المركزي”.
فضلا عن أن بموجب هذا المشروع تصبح الجهة الإدارية الخصم والحكم في نفس الوقت و يعطى مشروع القانون صلاحيات واسعة لموظفي الجهة الإدارية ففي المادة (20) “لممثلي الجهة الإدارية الذين يصدر بتحديدهم قرار من الوزير المختص دخول مقر أي من الجمعيات والمؤسسات والاتحادات والمنظمات الخاضعة لأحكام هذا القانون أو فروعها لمتابعة أنشطتها والاطلاع على سجلاتها وفحص أعمالها من الناحية الإدارية والمالية والفنية للتحقق من مطابقتها لأحكام هذا القانون. ويكون لممثلي الجهة الإدارية صفة الضبطية القضائية، ويجوز لهم الاستعانة بأي من أجهزة الدولة المعنية”. بالإضافة لذلك تتعدد جهات الرقابة، فتخضع الجمعيات والمؤسسات الأهلية أيضا لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات (المادة 23).وتستمر فلسفة الهيمنة والعقوبات الجنائية، فتسمح على سبيل المثال في المادة (42) للجهة الإدارية بطلب الحل في حالات منها انضمام الجمعية أو اشتراكها أو انتسابها لجمعية أو منظمة خارجية دون إخطار الجهة الإدارية وعدم اعتراضها خلال ستين يوما، ثم ترتب عقوبة الحبس لمدة لا تقل عن سنة و/أو بغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه على تلك المخالفة في المادة (80).
ما سبق مجرد نماذج لمشروع قانون يعكس ثقافة سلطوية، وتوسيع صلاحيات جهات غير مختصة وتطبيقه على جهات غير معنية.
وتجاهلت الحكومة مواقف المنظمات غير الحكومية الرافضة لهذا القانون، وأسرعت بإرسال مشروع القانون إلى مجلس الشورى، دون أن يتم أجراء حوار مجتمعي واسع وجاد، بل أربكت المنظمات غير الحكومية من خلال طرح مسودات جديدة من جانب “الإخوان المسلمين” عبر أحد وزارتها، بالإضافة لعدة مسودات قديمة وصلت إلى 7 مسودات، وهو ما يؤكد عدم جدية الحكومة في أجراء حوار جاد، وأنها كانت تستهدف حوارا شكليا تستطيع من خلاله تمرير ما تريده.
وفي إطار هذه الرؤية القمعية يرفض الموقعون أدناه هذه القوانين المطروحة من جانب الحكومة،وتؤكد على أهمية وجود تشريعات تحرر وتفعل دور المجتمع المدني وباقي التنظيمات من أحزاب ونقابات…الخ. وتطالب بتشريعات تنطلق من مطالب الثورة وتبدأ من حيث انتهت الحوارات الجادة التي أعقبت الثورة وأنتجت مشروعات قوانين متطورة في هذا المجال مثل: قانون الجمعيات المقدم من 56 منظمة، وقانون الحريات النقابية الذي تم حفظه في أدراج المجلس العسكري.
ويؤكد الموقعون عدم انفصال قضيه الدفاع عن حرية التنظيم عن قضايا الوطن و أماله في الحرية والديمقراطية، فحرية المجتمع المدني أصبحت جزءا أساسيا من مؤشرات قياس مستوى الديمقراطية في أي دولة، كما كان المجتمع المدني في تجارب التحول الديمقراطي الحديث هو أحد دعائم هذا التحول. وإذا كان لنا أن نصل إلى قوانين تساهم في تحول ديمقراطي فلابد الخروج من هذه الذهنية القمعية والابتعاد عن رموزها عند صياغة قوانين مصر الثورة.
الموقعون :
المنظمات غير الحكومية :
مؤسسة المرأة الجديدة- المنظمة المصرية لحقوق الإنسان – مركز وسائل الاتصال الملائمة من أجل التنمية- مركز القاهرة للتنمية- المؤسسة العربية لدعم المجتمع المدني وحقوق الإنسان- دار الخدمات النقابية والعمالية- مؤسسة المرأة والذاكرة- ائتلاف حقوق الطفل- المؤسسة المصرية للنهوض بأوضاع الطفولة- مصريون ضد التمييز الديني – مؤسسة حرية الفكر والتعبير – مؤسسة ضد التمييز – مؤسسة الانتماء الوطني لحقوق الإنسان- مؤسسة عالم واحد للتنمية و منتدى رفاعة الطهطاوي – مؤسسة ناخب لدعم الديمقراطية من اجل التنمية- شبكة حقوق الأرض والسكن- التحالف الدولي للموئل- الجمعية المصرية للحقوق الجماعية – مركز أندلس لدراسات التسامح ومناهضة العنف- جمعية امى للحقوق والتنمية- جمعية صاعد للتنمية و حقوق الإنسان- ملتقى تنمية المرأة- المؤسسة المصرية لتنمية الأسرة- مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف- جمعية المرأة والتنمية- مركز قضايا المرأة المصرية – مؤسسة علم بلا حدود- سامي يوسف- المركز المصري للإصلاح المدني والتشريعي – مركز شهاب للشفافية والقانون- المجموعة المصرية للقانون وحقوق الإنسان- المؤسسة العربية لدراسات الديمقراطية وحقوق الإنسان ” عدالة “- الجمعية المصرية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية-
الأحزاب : المصريين الأحرار- الكرامة – التيار الشعبي – مصر الحرية- التحالف الشعبي الاشتراكي – المصري الاجتماعي الديمقراطي
الشخصيات العامة :
منى ذو الفقار – وحيد عبدا لمجيد- عبد الجليل مصطفي –عمرو حمزاوى – نولة درويش – أمال عبد الهادي – هاني هلال – انتصار السعيد – هدى الصدة- شريف الهلالي – محمد منير مجاهد – محمد عجاتي – عزة كامل – هنا فريد- علي عبد التواب احمد- عادل المشد- نجوى المشد – عبد السلام جعفر – إسماعيل محمد حسني