إيجابيات وثيقة الأمم المتحدة للمرأة
بقلم السفيرة ميرفت التلاوى ٢٥/ ٣/ ٢٠١٣
كانت الدورة ٥٧ للجنة وضع المرأة فى الأمم المتحدة مناسبةً لتفعيل دور مصر الإقليمى والدولى، وبغض النظر عن موضوع الوثيقة أريد أن أوضح للقراء عدة أمور مهمة خاصة بهذه الوثيقة، وهى أمور إيجابية ومؤثرة يجب النظر إليها والاهتمام بها.
أولاً: نظراً لخبرة مصر الدبلوماسية فى التفاوض، لم تكن المناقشات التى استمرت على مدار خمسة عشر يوماً لتنجح فى الوصول إلى إجماع الوفود المشاركة فى الدورة على إصدار وثيقة مكافحة العنف ضد المرأة، حيث طلبت الوفود المختلفة من الوفد المصرى المساعدة فى تجاوز نقاط الخلاف للثقة فى قدرة مصر على التفاوض فى إطار المجموعة الأفريقية والعربية والدول الإسلامية، بالإضافة إلى العديد من دول آسيا مثل الهند والصين وغيرهما، خاصةً أن اللجنة فشلت فى دورتها العام الماضى فى إصدار وثيقة خاصة بالمرأة الريفية.
ثانياً: إيجابيات الوثيقة:
أما عن مضمون الوثيقة فالجديد فيها أنها وسَّعت مفهوم العنف ولم تقصره على التحرش والاغتصاب بل تناولت قضايا اقتصادية واجتماعية مختلفة بسبب العنف، وفى هذا نشير إلى:
■ الربط بين احترام وحماية حقوق الإنسان ومنع العنف ودعوة الدول للوفاء بالتزاماتها فى القضاء على العنف، وأن تعمل على منع وإدانة العادات والتقاليد التى تشجع عليه.
■ أكدت على الاهتمام بالتعليم والقضاء على الأمية والفقر، خاصة فى المناطق الريفية وتحقيق العدالة الاجتماعية المفقودة فى المجتمعات خاصة بالدول النامية، وعلى ضرورة الاهتمام بالعنف ضد كبار السن والمعاقين.
■ أدانت جميع أشكال العنف خاصة العنف الأسرى الأكثر انتشاراً.
■ طالبت بالتصدى للاتجار بالنساء والفتيات والجرائم المنظمة عبر الحدود الوطنية من خلال تعزيز التشريعات وضمان معاقبة الجناة والوسطاء.
■ أكدت على ضرورة اتخاذ التدابير التأديبية والإجراءات اللازمة للتصدى للعنف فى أماكن العمل وتوفير بيئة آمنة وخالية من العنف.
■ المطالبة بتنفيذ سياسات واستراتيجيات وبرامج شاملة لزيادة الوعى بالآثار الضارة للعنف، ومراجعة القوانين ولوائح العمل المتعلقة بالتزويج المبكر والقسرى للأطفال وإنهائه.
■ اتخاذ إجراءات فعالة من الشرطة والعدالة وتوفير الموارد الكافية لإنشاء وتوسيع نطاق الخدمات الصحية والمساعدة القانونية ودور إيواء النساء.
■ تنفيذ السياسات الرامية لإنشاء خدمات إعادة تأهيل وتغيير سلوك مرتكبى العنف ضد النساء.
■ طالبت الدول بتوفير الحماية والرعاية لضحايا العنف، واتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة لمساءلة مرتكبى العنف ومحاكمتهم.
لقد بدأ الهجوم على الوثيقة فى الثامن والعشرين من فبراير الماضى، بينما بدأت الدورة ٥٧ للجنة وضعية المرأة فى الأمم المتحدة فى ٤ مارس الحالى لإقرار وثيقة مكافحة العنف ضد المرأة ..! أى أن الهجوم بدأ قبل أن تبدأ اللجنة أعمالها فعلياً، وهذا الهجوم جاء فى بيان أصدره الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين على وثيقة لم يبدأ النقاش حولها بعد، بطرح موضوعات حول الأحوال الشخصية كالزواج والطلاق والتعدد والميراث والمهر وغيرها، ثم أعقب هذا البيان بيان آخر من جماعة الإخوان المسلمين أيضاً قبل صدور النسخة النهائية للوثيقة، وجاء نسخة مكررة من بيان اتحاد علماء المسلمين يحوى نفس الموضوعات البعيدة تماماً عن اجتماع الدورة المشار إليها.
لذلك دعونى أتساءل: لماذا الاستمرار فى الهجوم على الوثيقة؟ ولماذا الرفض الذى يضعنا أمام العالم وكأننا مجتمع يتجه للعنف سواء ضد المرأة أو الرجل؟ خاصةً أن الوثيقة ليست اتفاقية أو معاهدة تتطلب التصديق البرلمانى عليها، وإنما هى مجرد إعلان أدبى غير ملزم، مثلها مثل الإعلان العالمى لحقوق الإنسان، وموافقة مصر عليها كانت مشترطَة بأن يراعى فى التطبيق القوانين والتشريعات الوطنية.. وأطلب من جميع السابحين ضد التيار أن يكفُّوا عن التنكيل بمصر ودبلوماسييها ودورها الدولى المؤثر، وليترك الدين لأهل الاختصاص، فالإسلام الذى كرّم المرأة لن يستطيع كائن من كان أن يسلبها هذا التكريم مهما كانت الدعاوى والافتراءات، وفى هذا الصدد تجدر الإشارة إلى أن منظمة التعاون الإسلامى التى تضم ٥٧ دولة إسلامية أيدت الوثيقة وشكرت الأمم المتحدة ورفضت الزج بالعادات الاجتماعية فى الدين.
من كل ذلك كان واضحاً وجلياً اهتمام وفود دول العالم الشديد وتعلقها بموقف مصر، فضلاً عن أن خروج الوثيقة بهذا الشكل سلط الضوء على تعريف غير تقليدى وموسع للعنف ضد المرأة والفتاة لم يسبق تناوله من قبل.