في موجة جديدة من موجات ثورة 25 يناير الشعبية المصرية خرجت جموع الشعب المصري في 30 يونيو الماضي لتؤكد على استمرار ثورتها ضد الاستبداد وعدم تحقيق مطالبنا في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الوطنية، وذلك في مسيرات حاشدة غير مسبوقة فى التاريخ شملت جميع أنحاء الوطن ريفه وحضره، مدنه وقراه، وجميع أبناء الوطن عبر انتماءاته الطبقية والعقائدية، نسائه ورجاله. وإننا نرى في هذه الموجة الثورية الشعبية امتدادا لثورة 25 يناير ونتعهد بدعم مسيرة الشعب المصري في موجات ثورته المتتالية نحو مسار ديمقراطي يصنعه الشعب ويعمل مجتمعه المدني على حمايته وضمان تحقيقه، خاصة في ظل مخاوفنا من تزايد الدور السياسي للمؤسسة العسكرية على حساب الأمن القومي والمسار الديمقراطي، وهي التي اختارت دعم الشعب المصري في لحظة تلاقت فيها مصالحها مع مطالب الشعب.
إن هذه الموجة الثورية الجديدة تأتى لمواجهة انقلاب الأخوان المسلمين على الديمقراطية التى أوصلتهم إلى السلطة، ضاربين عرض الحائط بكل الوعود السابقة وهو ما تجلى بشكل خاص فى تشكيل الجمعية التأسيسية، وصياغة الدستور الجديد، ومحاولات السيطرة على القضاء، وبوادر إصدار تشريعات قامعة للحريات، وعدم محاسبة المسئولين عن جرائم القتل والتعذيب والترويع والاعتداءات الجنسية تجاه القوى الثورية مع محاولة لتهميش دورها، بالتواكب مع التصالح مع فلول الحزب الوطني المنحل ونظام مبارك الفاسد، وإحلال المنتمين إلى جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة وحلفائهم محل سابقيهم من رجال الحزب الوطني وشركائه تحقيقا لتمكين الجماعة وأخونة مؤسسات الدولة.
لقد أوضحت ملايين الشعب المصرى فى 30 يونيو بشكل جلى إصرارها على تحقيق مطالب الثورة، ورفضها لكل السياسات التى اتسم بها حكم الإخوان من استبداد وإقصاء لقوى الثورة وتهميش للنساء مع غياب العدالة الانتقالية. إن ضياع عامين منذ الموجة الأولى للثورة التي انطلقت فى 25 يناير دون البدء في بناء قواعد مجتمع ديمقراطي مدني قوي، يجعل نؤكد مجددًا على ما نعتبره بمثابة الحد الأدنى من المطالب التي لا بديل عنها في سبيل تأسيس الدولة المصرية الجديدة على قواعد ديموقراطية راسخة تقوم على المساواة الكاملة بين المواطنين دون أى تمييز، وتنطلق من العدالة الاجتماعية واحترام حقوق الإنسان وتقوم على الشفافية والمكاشفة والحوار المجتمعي وسيادة القانون.
فقد علمتنا تجربة العاملين الماضيين أن كل الأطراف متغيرة في موقعها من السلطة، بينما يظل الشارع هو مساحة الحراك مدفوعا بطاقة الجماهير لتحقيق إرادة الشعب. ومن هنا فإننا نتوجه إلى الرئيس المؤقت والحكومة الانتقالية وشركائنا في الثورة بمطالبنا المبدئية التي ازدادت رسوخا خلال ما يزيد على عامين من تاريخ ثورتنا، ومستندة إلى نضالنا الطويل من أجل تحقيق مطالب النساء في العدالة والمساواة.
أولا: نطالب الرئيس المؤقت والحكومة الانتقالية بأن يعطوا الأولوية القصوى لتحقيق الأمن وتوفير الخدمات والبدء في خطوات عملية نحو تحقيق مطالب الثورة. ونطالب سلطات الدولة ومؤسساتها بضمان حق المجتمع المدني في الحرية والاستقلال كي يلعب دوره كاملا في الحفاظ على الديمقراطية وحقوق الإنسان.
ثانيا: نطالب رئيس الجمهورية المؤقت المسئول عن تشكيل لجنة دستور مصر الجديد أن تتضمن اللجنة المجتمعية نسبة عادلة من التمثيل النسائي، على أن يتضمن ذلك عددا من النسويات الحقوقيات والناشطات منذ سنوات في مجال حقوق النساء وحقوق الإنسان، وبما طرحنه من مطالب تم تجاهلها تماما في دستور 2012. فلا ضامن لدمج مطالب النساء إلا بوجود تمثيل فاعل للنساء في لجنة صياغة دستور. كما نرفض تماما تكرار صدور قرارات رئاسية وإعلانات دستورية دون تشاور مع القوى الوطنية والثورية مثلما حدث عند إصدار الإعلان الدستوري الأخير.
ثالثا: نطالب الحكومة الانتقالية وما يليها من حكومات الاستفادة من خبرات وكفاءات النساء المصريات في مختلف المجالات دون أي تهميش أو تمييز، فمؤسسات الدولة عامرة بكوادر نسائية متميزة تجمع بين الخبرة السياسية والمهنية وهي معايير تؤهلهن لأدوار قيادية داخل مؤسسات الدولة التنفيذية بشرط عدم الانتماء إلى أحزاب النظامين السابقين. ونحيي الاتجاه العام الحالي نحو تعيين عدد من النساء في مناصب وزارية، مع تأكيدنا على أهمية وضع قضايا النساء على الأجندة السياسية. كما نطالب الحكومة الإسراع في خطوات هيكلة مؤسسة الشرطة بالاستعانة بالمشاريع المتكاملة التي وضعتها مؤسسات المجتمع المدني الحقوقية لهيكلة جهاز الشرطة، تنفيذا للمطلب الشعبي: الشعب يريد إسقاط النظام.
رابعا: نطالب الأحزاب المصرية بتبني موقف داعم لتمثيل النساء في الحياة السياسية بتحديد نسبة عادلة للنساء في المناصب القيادية داخل الأحزاب، وكذلك في القوائم الحزبية بحيث تقوم الأحزاب بتحديد نسبة لتمثيل النساء في القوائم وضمان احتلالهن مواقع متقدمة في تلك القوائم بما يمنحهن فرصة التمثيل السياسي في البرلمان المصري، ودعم النساء في المحليات.
خامسًا: نطالب السلطة القضائية باتخاذ خطوات مخلصة وسريعة لوضع أسس تنفيذ العدالة الانتقالية بما يضمن محاكمة كل من أجرم في حق الوطن والشعب في ظل نظام مبارك والمجلس العسكري ونظام مرسي. فالعدالة الانتقالية هي الضامن الأساسي والسريع لتحقيق العدالة الناجزة، وخطوة أولى ضرورية قبل الانخراط في المصالحة الوطنية الشاملة.
وأخيرا فإننا ندعو القائمين على شؤون البلاد إلى أن يضعوا نصب أعينهم مطالب الشعب المصري التي ناضل وسيظل يناضل في سبيل تحقيقها، فثورتنا هي ثورة على الإفقار طلبا للعيش، ثورة على الاستبداد طلبا للحرية، ثورة على الظلم طلبا للعدالة، وثورة على التبعية طلبا للكرامة والاستقلال الوطني.
المجد للشهداء والثورة مستمرة.
* مؤسسة المرأة والذاكرة، مركز النديم للعلاج والتأهيل النفسي لضحايا العنف، مركز القاهرة للتنمية، مركز قضايا المرأة المصرية، نظرة للدراسات النسوية، رابطة المرأة العربية والاتحاد النوعي لنساء مصر، مركز بشاير، جمعية أمي للحقوق والتنمية، ملتقى تنمية المرأة، المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، مركز وسائل الاتصال الملائمة – أكت، مؤسسة المرأة الجديدة، المؤسسة المصرية لتنمية الأسرة، المؤسسة القانونية لمساعدة الأسرة وحقوق الإنسان،