كتبت وئام قاسم..
التحرش:
يشمل قانون العقوبات العديد من المواد التي تجرّم العنف، وقد شهد القانون في عام 2021 عدة تعديلات أُدخلت عليه لتغليظ بعض العقوبات التي يعاقب بها في جرائم التحرش. كما واكبت القانون موجة التطور فأدخلت جريمة التحرش بالوسائل الإلكترونية أو الاتصالات اللاسلكية ضمن تعديلات المادة 306 مكرر أ، وأصبحت أقصى عقوبة لهذه الجريمة هي خمس سنوات، أو تصل إلى عشر سنوات في حال التكرار أو العود، وغرامة لا تزيد عن 300 ألف جنيه.
ومع ذلك، ففي ظل غياب اهتمام الدولة بتطوير البنية الثقافية والاجتماعية للمجتمع، نجد أن المجتمع لا يشجع الفتاة أو السيدة التي تتعرض للتحرش على اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضد المتحرش.
وعلى مستوى الأسرة، غالبًا ما يكون هناك تخوف من الفضيحة أو الحرج الاجتماعي الذي ستسببه هذه الشكوى لرجال الأسرة، وفي الشارع، تجد الفتاة أو السيدة تعاطفًا من بعض الناس تجاه المتحرش، لأن شكواها ستؤدي إلى ضياع مستقبله، أو تجد انتقادًا لطريقة لباسها أو حتى مشيتها! وفي بعض الأحيان، ولتعرضهن لصدمة شديدة نتيجة فعل التحرش بهن، لا تستطيع السيدة أو الفتاة التي تعرضت لهذا الجرم التصرف في اللحظة نفسها.
العنف الأسري
لا يوجد قانون مخصص في مصر لمواجهة العنف الأسري، حيث أن نصوص قانون العقوبات هي نصوص عامة وفضفاضة، ولا تشكل رادعًا كافيًا للتصدي لأشكال العنف على مستوى الأسرة. كما أن وجود قانون خاص يعطي أفضلية لتجريم كافة أشكال العنف التي تقع على المرأة من دائرتها القريبة، حيث إن تشريعًا مثل هذا القانون يسمح بتناول التدابير والإجراءات الوقائية التي يمكن من خلالها حماية المرأة، وكذلك إتاحة وسائل الحماية الفعالة التي تحقق الردع، وأيضًا إجراءات جبر الضرر.
يجب أن يشتمل القانون على تعريف موسع للعنف الأسري، حيث يشتمل العنف الأسري على أنماط وأشكال عديدة، إذ قد تتعرض المرأة لأنواع من العنف الجسدي مثل: الضرب، أو العقاب البدني، أو الإجهاض بسبب استخدام العنف. أو قد تتعرض لعنف نفسي مثل: الإهانة، أو السب، أو الترهيب، أو الإجبار على الزواج مقابل تسوية خلافات. كما قد تتعرض المرأة لعنف اقتصادي مثل: إجبارها على تسليم راتبها للمساهمة في النفقات، أو إجبارها على التنازل عن حقوق لها مكفولة في عقد الزواج، أو تقاعس الرجل المعيل عن كفاية الاحتياجات الأساسية للأسرة، أو إجبارها على العمل. وأخيرًا، العنف الجنسي مثل: الختان، الاغتصاب، أو الإجبار على ممارسة العلاقة الحميمية، أو زواج القاصرات.
لحل المشكلة، يجب الاعتراف أولًا أن المرأة معرضة بصورة نمطية للعنف داخل المنزل، وفي العلاقات الحميمية كذلك، إذ يدخل ذلك في المفهوم الشرعي تحت بند حق التأديب ما لم يتجاوز الحد المطلوب، أو ما لم تظهر علاماته على الجسد! حيث تسمح البنية الثقافية والمجتمعية في مصر باختلال توازن علاقات القوى في العلاقة بين الرجل والمرأة. إذ تشير إحصائيات المسح الصحي للأسرة المصرية الصادر عن جهاز التعبئة العامة والإحصاء عام 2022 إلى أن حوالي 30% من السيدات بين سن 15 و49 قد تعرضن لصورة من صور العنف قبل الزواج. كما تشير الإحصائية أيضًا إلى أن 25% من السيدات تعرضن لعنف جسدي داخل الأسرة، و22% تعرضن لعنف نفسي، و6% تعرضن لعنف جنسي.
عمل المجلس القومي للمرأة، والعديد من المنظمات الحقوقية النسائية على مشروعات قوانين تناهض العنف الأسري، إلا أن الدولة لم تتبنى أيًا منها. ويمكن لمصر الاستعانة بدليل الأمم المتحدة للتشريعات الخاصة بالعنف ضد النساء، أو نموذج قانون مكافحة العنف ضد النساء والفتيات الخاص بالدول العربية، أو مبادئ الاتفاقية العربية لمكافحة العنف ضد النساء والفتيات والعنف المنزلي.
الاغتصاب
يجرم قانون العقوبات المصري الاغتصاب بنص المادة 267، ويشدد العقوبة لتصل إلى الإعدام إذا كانت المجني عليها قاصرة، أو كان المتهم من أقاربها أو المشرفين عليها أو خادمها أو ملزمًا بحمايتها. وفي عام 1999 عدلت مصر قانون العقوبات لإلغاء المادة 291 التي كانت تنص على عدم معاقبة المغتصب إذا تزوج بالمجني عليها، وهو تطور محمود للغاية.
إلا أن تعريف قانون العقوبات لمفهوم الاغتصاب تعريف ضيق، وهو من المأخوذات على القانون، إذ عرفت المادة سابقة الذكر أن الاغتصاب هو مواقعة أنثى بغير رضاها، وقد استقرت الأحكام الجنائية على تفسير المواقعة بأنه التقاء العضو الذكري للرجل بالعضو الأنثوي للمرأة. لكن القانون لا يعترف بتوافر أركان الجريمة إذا حدث إتيان لامرأة من الخلف أو وضع الإصبع أو عصا أو أي شيء آخر في فرج المرأة.
لذلك، نحن نوصي بتغيير المادة لتشمل تعريفًا أوسع لمفهوم الاغتصاب، ومن الممكن تبني التعريف الذي عدلته تونس في 2017 ليصبح “كل جماع بغض النظر عن طبيعته أو الوسيلة المستخدمة فيه ضد أنثى أو ذكر دون رضا الشخص”.
هناك مشكلات أخرى تتعرض لها الناجيات من الاغتصاب، إذ تصنف لجنة السيداو جريمة الاغتصاب على أنها جريمة ضد حق المرأة في الأمان الشخصي والسلامة البدنية. إلا أن المنظومة القانونية في مصر، وفي العديد من الدول العربية، تنظر إلى جريمة الاغتصاب باعتبارها جريمة ضد شرف الأسرة وسمعة العائلات، وكجريمة تقوض من مبادئ وقيم الأسرة المصرية، دون النظر إلى أي اعتبار لحقوق الضحية أو كينونتها المستقلة. لذلك، فإنه على المستوى الشعبي نجد أن بعض الأسر تعاقب المرأة أو الفتاة ضحية الاغتصاب لأنها ضيعت شرف الأسرة، فتتبع هذه الأسر ممارسات عقابية مثل احتجازهن قسريًا في المنزل، أو تغريبهن، أو إجبارهن على الزواج بالمغتصب.
وتحدث هذه الممارسات في ظل غياب أي هيكل رسمي لحماية الناجيات، بدءًا من وضع بروتوكول خاص للكشف الطبي بمصلحة الطب الشرعي يراعي الحالة النفسية للضحية، أو تدريب رجال إنفاذ القانون على التعامل مع ضحايا الاغتصاب، أو نص القوانين على تقديم الدعم النفسي أو الاجتماعي لهؤلاء الضحايا من قبل مؤسسات وجهات متخصصة.
الاغتصاب الزوجي
لا يجرم الاغتصاب الزوجي في القوانين المصرية، وعلى الرغم من أن المادة 267 من قانون العقوبات تعرف الاغتصاب على أنه مواقعة الأنثى “دون رضاها”، إلا أن مواقعة الزوج للزوجة دون رضاها لا يُعتبر جريمة في المجتمع المصري، بل يُعتبر حقًا تأثم الزوجة إن لم تبيح نفسها للزوج متى يشاء.
إذا كان عدم الرضا يشكل ركنًا أساسيًا لاكتمال عناصر جريمة الاغتصاب، وكان القانون ينص على التشديد إذا وقع الفعل من ذوي السلطة على الضحية – وفي هذه الحالة الزوج – فما الذي يمنع من استخدام هذه الأركان في استحداث مادة جديدة تجرم الاغتصاب الزوجي؟! ما يمنعنا بالطبع هو الموروث الديني والثقافي لدى المجتمع المصري، فالمجتمع لا يتقبل أصلاً فكرة أن يكون هذا الفعل مكونًا لجريمة يعاقب عليها الزوج.
إذا عدنا إلى الوراء قليلاً نجد أن مفهوم حقوق المتعة في الزواج يعود إلى قوانين الكنيسة الرومانية الكاثوليكية، إذ كان عقد الزواج يمنح الزوج حقوقًا مطلقة على زوجته، ومن ضمنها الحق في العلاقة الجنسية معها دون قيود، تأسيسًا على مبدأ الواجب الزوجي. لم تختلف التفسيرات الفقهية في الإسلام كثيرًا عن مثيلتها في المسيحية، بل يكاد يستخدم نفس المصطلحات، فالزواج في الفقه الإسلامي عقد يقدم الرجل فيه المهر ويتعهد بالإنفاق، وفي المقابل يُطلب من الزوجة أن تتوفر للزوج متى يشاء في بيت الزوجية.
وحيث إن هذه المفاهيم السحيقة أتت من زمن غير زماننا هذا، إذ تغير فيه مفهوم عقد الزواج، فلا الرجل يقدم مهراً، ولا يؤسس بيت الزوجة وحده، ولا ينفق ويوفر مؤنة العيش وحده، فإنه يجب إدخال إصلاحات مفاهيمية وفقهية فورية على مقتضيات العلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة لتصبح قائمة على عدد من الحقوق والواجبات المتبادلة تشمل عنصرًا أساسيًا في أي علاقة، وهو الرضا.
وما أقوله هنا ليس من وحي الخيال، فقد قدمت المغرب تجربة جيدة، وإن كانت تحتاج إلى المزيد من الإصلاحات في هذا الشأن. حيث عدلت المغرب مدونة الأسرة لتفصل الحق القانوني للزوجة في النفقة عن واجبها في الطاعة في العلاقات الجنسية. كما أصدرت المحاكم المغربية عدة أحكام بحبس الزوج بتهمة الاغتصاب بعد أن أثبتت الزوجة إصاباتها نتيجة استخدام العنف بتقارير طبية، واستندت المحكمة على تعريف الاغتصاب في القانون المغربي الذي لا يختلف عن مثيله في القانون المصري، إلا أن المحكمة لم تستثنِ الزوج.
جرائم الشرف:
“لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى.. حتى يراق على جوانبه الدم” بيت شعر للمتنبي يمثل التوحش الثقافي في مجتمعاتنا العربية، التي لا ترى سبيلًا إلى حل المشكلات الاجتماعية سوى بإراقة الدماء، مما يرسم ملامح النعرة القبائلية التي توضح رؤية وفهم مجتمعنا للشأن البشري العام. فما بالنا إذا كان هذا المجتمع ينظر إلى المرأة باعتبارها عود الثقاب الذي يهدد بإشعال شرفه الزائف في أي وقت؟!
يميز قانون العقوبات بين الرجل والمرأة في العديد من الجرائم التي تسمى زورا بجرائم الشرف، إذ تستخدم المادة 17 و60 معًا من القانون، التي تسمح للقاضي الجنائي باستخدام سلطته التقديرية في تخفيف العقوبة على المتهم إذا توافرت في الجريمة أسباب من أسباب الإباحة.
والإباحة هي الإتيان بفعل يهدر حقًا لصيانة ودفاع عن حق آخر، بمعنى أن القانون يجرم الضرب، ولكن إذا كان الضرب قد وقع من الزوج لتأديب زوجته وفقًا لمفهوم الفقه الإسلامي، فإن القانون يعطي القاضي سلطة لتبرئته أو تخفيف العقوبة عنه، حتى إذا نتج عن هذا الضرب عاهة مستديمة تصيب الزوجة إلى الأبد. أما إذا حدث العكس، فغالبًا ما تطبق أقصى عقوبة على المرأة ربما لتأديبها من قبل القانون أيضًا.
كما تستخدم المادة 17 من قانون العقوبات لتخفيف العقوبة عن الأخ أو الأب الذي يرتكب جريمة القتل أو الشروع في القتل تجاه الأخت أو الابنة، إذا كان هناك شك في سلوكها أو إذا كانت في علاقة رضائية مع شخص ما، إذ يكون الأخ أو الأب في هذه الحالة مرتكبًا للجريمة دفاعًا عن شرفه، وعن قيم ومبادئ الأسرة المصرية!
أما عن الزنا، فتُصَرح المادة 237 من قانون العقوبات بأنه إذا ضبط الزوج زوجته تخونه مع رجل آخر وقتلها هي ومن معها، فإنه يعاقب بالحبس الذي تصل أقصى مدة له ثلاث سنوات. أما إذا عكسنا الوضع وكانت الزوجة محل الزوج، فإنها تعاقب بالسجن المؤبد أو الإعدام.
ويعاقب القانون أيضًا الزوجة على ارتكابها واقعة الزنا بالحبس مدة سنتين، ويعطي الحق للزوج في العفو عن العقوبة بقبول معاشرتها مرة أخرى، أما الزوج فإنه يُعاقب بالحبس مدة 6 أشهر فقط إذا ضبط بجريمة الزنا في بيت الزوجة. أما إذا كان خارج البيت فله أن يفعل ما يشاء، ولا يوجد في الحالتين للزوجة أي حقوق.
تحتاج هذه المواد إلى مراجعة حقيقية، لإلغاء هذا التمييز الذي يخالف التزامات مصر الدولية تجاه العهود والمواثيق التي صدقت عليها، وإيمانًا بالمبادئ التي نص عليها الدستور بعدم التمييز على أساس النوع أو الجنس، وعلى اعتبار أن المواطنين رجال ونساء أمام القانون سواء. وإذا كانت الإرادة السياسية للدولة ساعية إلى الانفتاح على تحرير المرأة من القيود الثقافية والمجتمعية التي قيدتها على مدار عقود من الزمان، فإنه يجب عليها التدخل فورا لتعديل القوانين بما يتلاءم مع هذه الإرادة. كما يمكنها أيضًا الاستفادة من تجارب الدول العربية الأخرى في إصلاح المنظومة القانونية والتشريعية للوصول إلى تحقيق عدالة النوع الاجتماعي والقضاء على أي وجه من وجوه العنف التي تتعرض لها المرأة المصرية
تم إنتاج هذه المادة بالتعاون بين مؤسسة المرأة الجديدة وفكر تاني ضمن حملة مناهضة العنف ضد المرأة.