كتبت: منار عبد العزيز ، مديرة مشروع الحماية التشريعية.
تزامنًا مع واقعة التحرش التي شهدها ميدان التحرير خلال احتفالية تنصيب الرئيس عبد الفتاح السيسي، أصدرت الدولة المصرية في عهد الرئيس السابق عدلي منصور قرارًا برقم 50 لسنة 2014 تعديلًا في أحكام قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937 يتضمن لأول مرة النص على تجريم “التحرش الجنسي” حيث المعاقبة بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف جنيه ولا تزيد على خمسة آلاف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، وفي حال تكرار الجاني للفعل من خلال الملاحقة والتتبع للناجية أو في حالة العود فتضاعف العقوبة لتصبح الحبس مدة لا تقل عن سنة، وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين.
تبعًا لذلك، صدر في عهد الرئيس السيسي قانونًا رقم 141 لسنة 2021 بتعديل في قانون العقوبات بخصوص جريمة التحرش، لينص على تغليظ عقوبتي الحبس والغرامة، فلا تقل العقوبات عن الحبس سنتين ولا تتجاوز أربع سنوات مع غرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه ولا تزيد على 200 ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، وفي حال تكرار الفعل من الجاني يتم مضاعفة العقوبة لتصل إلى الحبس 7 سنوات وغرامة لا تزيد عن 500 ألف جنيه. وأضاف نص القانون تشديدًا للعقوبة في حال كان المتحرش له سلطة وظيفية أو أسرية أو دراسية على المجني عليه أو مارس عليه أي ضغط.
بالتزامن مع إعلان مجلس النواب خلال شهر نوفمبر الجاري عن إصدار تعديل آخر ينص على تغليظ عقوبة التحرش للمرة الثالثة بمدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تجاوز خمس سنوات، وبغرامة لا تقل عن 200 ألف جنيه ولا تزيد عن 300 ألف جنيه، وخصص النص بالذكر على أن يكون موقع الجريمة في مكان العمل أو في إحدى وسائل النقل، فإننا نود إعادة التساؤل حول مدى جدوى وفعالية ميل المشرّع المصري نحو تغليظ العقوبات كرادع لجرائم العنف الجنسي ضد النساء في مصر، خاصة مع تزايد معدلات العنف ضد النساء في مصر من حيث الإحصاء وتعدد وتنوع جرائم العنف وفجاجة الوقائع التي نشهدها داخل المجتمع المصري مؤخرًا في استهداف أجساد النساء وأرواحهن على مرأى ومسمع من الجميع. والجدير بالذكر أنه بالرغم من أن الحكم بالإعدام هي العقوبة الأغلظ والأكثر ردعًا لدينا، كما شاهدنا في قضية الضحية “نيرة أشرف”، إلا أن هذا لم يمنع من توالي هذا المشهد مرات أخرى في السياق ذاته وصولًا إلى موقع الجريمة ذاته كما تابعنا في شهر سبتمبر الماضي قضية “نورهان ن.ح”.
يحمل ما سبق لدينا دلالات تثير التساؤل حول جدوى تغليظ العقوبة كآلية فعّالة في مواجهة تفاقم مظاهر ومعدلات العنف ضد النساء في مصر، ويعود بنا إلى طرح أهمية تبني فلسفة تشريع مختلفة تتبنى التأكيد على دور ومسؤوليات كافة مؤسسات الدولة في التصدي لظاهرة العنف، والحث على بنية مجتمعية تناهض مظاهر العنف بصورة عامة نحو مجتمع أكثر استقرارًا واحترامًا لشرعية القانون وآليات الوصول إلى العدالة، وكذلك فلسفة تشريعية تتضمن تأهيل للجناة وتعويضًا معنويًا وماديًا للناجيات، وتسمح للمجتمع بأكمله كعضو مسؤول وفاعل في مواجهة استهداف النساء من خلال تعزيز دولة القانون وتوافر هيئات من كوادر فنية مدربة ومتخصصة في استقبال الشكاوى والتحقيق وصولًا إلى منصات القضاء.
ومن هنا، نؤكد على مطالبتنا بإصدار قانون موحّد لمناهضة العنف ضد النساء، كمطلب عاجل ومُلِحّ.