من اصدارات منصة العدالة الاجتماعية حول تمكين النساء من حق العمل:
يشير تعريف “المرأة المعيلة”، المستخدم في بناء الإحصائيات، إلى أنها القائمة على إعالة أسرتها في حالة غياب الزوج، سواء بسبب موته أو وقوع الطلاق بينهما أو سجنه أو عجزه وعدم قدرته على الإنفاق.
ويستبعد هذا التعريف ملايين النساء المسئولات عن إعالة أسرهن بالكامل فى وجود زوج ممتنع عن الإنفاق، أو المسئولات عن الإعالة إلى جانب الزوج. وفى معظم الأحيان، تحمل المرأة هذه المسئولية إضافة إلى انفرادها بعبء الأعمال المنزلية والرعائية وحدها. وهذا رغم مساهمة عمل النساء المنزلي غير المدفوع بنصيب كبير في الناتج المحلى الإجمالى. وعلى سبيل المثال، تشير إحدى الدراسات إلى أنه كان يشكل نحو 25% من الناتج المحلي الإجمالي لمصر فى السنة المالية المنتهية فى 30 يونية 2012.
وحيث لا يتوقع أن تمثل الإحصائيات المحسوبة على تعريف قاصر النسب الحقيقية لقيمة إعالة النساء للأسرة فى المجتمع المصرى، ستظهر إعالة الرجال للأسر بأكبر من قيمتها كثيرًا. ولو حسبت مساهمات النساء فى الإنفاق من عملها في سوق العمل بأجر، أو عملها لدى الأسرة بدون أجر، أو مقابل قيامها بغالبية الأعمال الخدمية والرعائية فى المنزل، لشكلت مساهمة النساء الجزء الأكبر من متطلبات الأسرة المالية، مع وجود زوج يعمل أيضاُ. وبالتالى تعتبر نسب النساء المعيلات المعلنة فى الإحصائيات الرسمية، أقل بكثير من نسبة النساء المعيلات فى الواقع.
وسنوضح فيما يلي من هذه الورقة نتيجة توصلنا إليها تعزز هذه الرؤية. إذ أثبتنا ارتفاع دخل الأسرة التي يعولها رجال معيلون متزوجون، مقارنة مع دخل أسر الرجال المعيلين من الأرامل أو المطلقين أو الذين لم يتزوجوا. واستنتجنا من ذلك أن الرجل المعيل المتزوج لا ينفق على أسرته من دخله الخاص فقط، بل قد يضاف إليه دخل زوجته ضمن مصادر أخرى للدخل. بينما فى حالة النساء المعيلات لأسر، ومعظمهن مطلقات وأرامل، يكون إنفاقهن على أسرهن من دخلهن منفردًا. وقد يؤدي هذا، ضمن أسباب أخرى، إلى أن تصبح أسرهن الأفقر بين الأسر .
إلا أننا سنركز في بحثنا – بسبب تعذر الحصول على إحصائيات حول المرأة المعيلة خلاف ما يصدره الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء- على نسبة 14% المعترف بها في الإحصائيات الحكومية، بهدف التعرف على سبب انتماء المعيلات والأسر التي يعلنها إلى فئة أفقر الفقراء. فوفقًا لآخر بحث للدخل والإنفاق والاستهلاك 2019/2020، تقع 16% من الأسر التي تعولها نساء على الأقل تحت خط الفقر المدقع (حد الكفاف)، و 41.4% منها تحت خط الفقر القومى، وينخفض دخل 69.5% منها عن متوسط الاستهلاك الفعلي للأسر.
ولا تعد معاناة الأسر التي تعيلها نساء من الفقر أمرًا جديدًا، بل مشكلة قائمة منذ بداية ظهور الاهتمام بظاهرة المرأة المعيلة فى تسعينيات القرن الماضي، وإن لم تحسب إحصائيات حولها وقتها.
ووفقًا لبحث الدخل والإنفاق والاستهلاك 2017/2018، شكلت الأسر التي تعولها نساء 11.1% من الأسر الواقعة تحت خط الفقر المدقع، في حين شكلت الأسر التي يعولها الرجال نسبة 1.6% منها. أي أن النسبة في حالة النساء سبعة أضعافها في حالة الرجال. بينما في بحث الدخل والإنفاق والاستهلاك 2019/2020، أصبحت الأسر التي تعولها نساء 16% من تلك الأسر، بينما كانت نسبة التى يعولها رجال 1.9%. أي اتسعت الفجوة إلى 8 أضعاف (انظر الجدول المرفق رقم 2). أما فيما يتعلق بالأسر الواقعة تحت خط الفقر القومي، كانت نسبة الأسر التي تعولها النساء 41.2%، والتي يعولها رجال 19%، أي النسبة في حالة النساء 2.2 ضعف نظيرتها في حالة الرجال. وفي التعداد التالى،ـ أصبحت نسبة الأسر التى تعولها نساء 41.4%، بينما نسبة الأسر التي يعولها رجال 17.1%، أي زادت الفجوة إلى 2.4 ضعفًا (انظر المرفق الجدول 3 ).
ولم يأت الارتباط بين الفقر و الأسر التى تعولها النساء مصادفة، بل يعبر ذلك عن معاناة النساء بشكل عام فى كافة المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
ينظر المجتمع إلى النساء باعتبارهن أقل أهمية من الرجال. ففي الأسرة فقيرة التي لا تقدر على تعليم كل أبناءها، تعطى الأولوية إلى تعليم الأولاد الذكور، وتترك البنات بلا تعليم. ويعملن بدون أجر، سواء فى مساعدة الأمهات بأعمال المنزل، أو فى مشروع عائلي، أو في زراعة أرض الأسرة، أو غيرها من الأعمال لصالح الأسرة. وبالتالى، عندما تصبح النساء معيلات، يخرجن إلى العمل لإعالة أسرهن بدون تعليم، ولا مهارات تؤهلهن للحصول على عمل بأجر يكفيهن وأسرهن.
ومن الشائع، أن تحرم النساء من الميراث فى كثير من الأحيان، بما يحرمهن من أموال وممتلكات كان من الممكن استخدامها في الإنفاق على أسرهن إذا أصبحن معيلات. وقد لا يتمكن بسبب ذلك من إقامة مشروعات تحتاج لرأس مال. وحتى القروض، تحتاج إلى ضمانات لا تكون في حوزة المعيلات غالبًا.
كما تحرم النساء من تمثيل سياسي منصف، سواء على مستوى المجتمع المحلي أو الوطني. وبالتالى لا يشاركن بشكل كافى فى صياغة القوانين والقرارات المؤثرة على حياتهن، ولا فى وضع السياسات المراعية لظروفهن وأوضاعهن ومشاكلهن.
وعندما تكون نسبة 78.2% من المعيلات خارج نطاق العمل، لن يكون أمام معظمهن سوى الاعتماد على التحويلات النقدية والعينية الضئيلة بطبيعتها. وعلى هذا، اعتمد 57.1% من دخل الأسر التي تعولها نساء على التحويلات، بينما لم تمثل التحويلات سوى 18% فقط من دخل الأسر التي يعولها رجال .
ويمثل الدخل من العمل نسبة 32% فقط من إجمالي دخل الأسر التى تعولها نساء، بينما يمثل نسبة 69.6% من إجمالي دخل الأسر التي يعولها الرجال.
وقد أكد ما توصلنا إليه فى هذه الورقة أن وضع المعيلات أفضل في القطاع العام والاستثمارى، حيث يزيد دخل المعيلات من العاملات فيهما عن دخل نظرائهن من الرجال قليلاً. ومع ذلك، لا تشكل هاتان الفئتان من النساء إلا نسبة ضئيلة من جملة المعيلات. وننوه إلى إنه بالنسبة للعمل فى القطاع الحكومى، تضيق فجوة الدخل ما بين النساء والرجال.
وكما ذكرنا من قبل، إذا كان الرجل معيل متزوجًا، فإنه ينفق على أسرته عادة من دخله بالإضافة إلى دخل زوجته. وحيث تمثل الأسر التي يعولها رجال متزوجون نسبة 95.5% من الأسر التى يعولها رجال عمومًا، نستنتج أن النساء يساهمن في إعالة الغالبية العظمى من الأسر التي يعولها رجال. وفي المقابل، تنفرد النساء بعبء الإنفاق على الأسر التي يعولنها. فمن ناحية، تنخفض بشدة نسبة المتزوجات بين المعيلات، حيث لا يمثلن سوى 23.6% فقط. ومن الناحية الأخرى، حتى في حالة المتزوجات، فإنهن لا يصبحن عائلات إلا إذا كان الزوج مريضًا أو مسجونًا، أو هاجرًا لها وللأسرة، أي لا يشارك في الإنفاق بالطبع.
وتبلغ نسبة عائلات الأسر الأميات 47.2% من إجمالى الأسر التي تعولها نساء. وفي المقابل، تبلغ نسبة عائلي الأسر الأميين 18.1% من إجمالي الأسر التي يعولها رجل. وفي الوقت نفسه، يساوي دخل الأسرة التى تعولها امرأة أمية 77% من دخل الأسرة التى يعولها رجل أمى.
كل ذلك يلفت نظرنا إلى أن التحويلات النقدية والعينية ربما تكون مفيدة فى انتشال بعض الأسر التي تعولها نساء من براثن الفقر المدقع. ولكنها لا تكفى – بقيمتها الضئيلة بطبيعتها – في سد كافة احتياجات الأسرة، أو حتى جزء مهم منها. وعلى هذا، تتضح أهمية الاهتمام الجاد بدعم وتمكين النساء بشكل عام، والمعيلات منهن بشكل خاص، حتى يأخذن حقهن العادل من العمل اللائق فعليًا.
وبالتالي فمن المهم إعادة أيضًا النظر فى السياسات العامة، بحيث تكون هناك سياسات داعمة للنساء بشكل عام، والنساء المعيلات بشكل خاص. وفي صدارة هذا، تأتي إزالة كل أشكال التمييز ضد النساء فى كافة المجالات وتمكينهن، عبر برامج قومية مخصصة لذلك، حتى يصبحن قادرات على خوض مجالات العمل بدون تمييز فى شروط العمل أو الأجر.
إليكم التقرير مرفقًا:
المرأة-المعيلة