بقلم: شيماء البوتلي
في رحلة ميدانية شاركتُ فيها كراصدة لفهم بيئة العمل للنساء، تفتحت أمامي آفاق جديدة لرؤية التحديات اليومية التي تواجهها السيدات العاملات، لم تكن الرواتب أو الامتيازات هي محور الحديث كما كنت أظن، بل كان الأمن الشخصي والنفسي في بيئة العمل هو العنوان العريض الذي تصدر المشهد.
منذ اللحظة الأولى شعرتُ بثقل الكلمات حين تتحدث السيدات عن تجاربهن، كان الأمان بكل أبعاده هو القاسم المشترك بينهن، فليس هناك ما هو أكثر بداهة من حاجة الإنسان إلى الأمان، غير أن المرأة بفطرتها التي صقلتها عوامل بيولوجية وثقافية واجتماعية عبر العصور، تحتل مكانة مركزية في هذا الاحتياج الفطري.
لقد أدركت خلال هذه التجربة أن الشعور بالأمان في بيئة العمل ليس رفاهية أو خيارًا إضافيًا، بل هو حجر الأساس الذي تُبنى عليه قدرة المرأة على الإنتاج والاستمرارية والتطور المهني، بدون الأمان، تصبح بيئة العمل طاردة حتى وإن كانت الأجور مجزية أو الفرص واعدة.
أخيراً حصلت علي الإجابة، فالاسباب تتراوح من المضايقات الصريحة والتمييز الضمني، إلى بيئات يغيب فيها الدعم المؤسسي لإجراءات الحماية، كانت بعض القصص موجعة، حيث فضلت سيدات مغادرة وظائف حلمن بها طويلًا حفاظًا على كرامتهن وأمانهن النفسي.
الأمان لا يقتصر على الحماية من العنف الجسدي أو اللفظي فقط، بل يشمل الإحساس بالاحترام، والمساحة الآمنة للتعبير عن الذات، والثقة بأن بيئة العمل ستحمي حقوقهن ولن تساومهن على كرامتهن مقابل الاستمرار في وظائفهن.
بيئة العمل الآمنة حق أصيل، فهي لا تتطلب فقط وجود سياسات مكتوبة، بل تحتاج إلى ثقافة مؤسسية حقيقية تعزز قيم الاحترام والمساواة والمساءلة، فالقوانين بدون آليات تطبيق فعالة تظل حبرًا على ورق، والخطابات الرنانة بلا إرادة حقيقية للتغيير تظل فقاعات هواء.
المرأة في بيئة العمل تحتاج أن تشعر أنها محمية ليس فقط بالقانون، بل أيضًا بزملائها ومديريها وأنظمتها الداخلية، وأن الشكاوى تؤخذ بجدية وتُعالج بسرعة وعدل.
أكتب هذه السطور ليس فقط كراصدة لتجارب الآخرين، بل كشاهدة على الحاجة الملحة لإعادة بناء بيئات العمل على أسس إنسانية أولها الأمان، فإذا أردنا أن نبني مجتمعات صحية واقتصادات مزدهرة، يجب أن نبدأ من الأساس، أن تشعر كل امرأة في عملها أنها محمية، مسموعة، ومقدَّرة.
بيئة العمل الآمنة ليست رفاهية، إنها حق، بل هي البداية الحقيقية لأي رحلة مهنية ناجحة.