كتبت: مى صالح
في 2007 شغَل الشارع المصري والمشاهدين العرب مسلسل “قضية رأي عام” الذي دارت قصته حول طبيبة وممرضتين تعرّضن للاعتداء الجنسي الوحشي خلال طريقهن ليلًا لمهمة عمل كمقدمي خدمات طبية، وما شاهدناه جميعًا وزاد من تعاطفنا مع الناجيات هو موقف الأهالي والأزواج والخذلان الذي عانت منه النساء وحدهن بالإضافة إلى موقف المجتمع المحيط الذي أصّر على وصم ولوم الضحايا وإنكار حقهن في تجريم المعتدين والدفاع عن أنفسهن.
واليوم وبعد مرور عدة سنوات يطل علينا من جديد مسلسل” صوت وصورة” بنفس القضية تقريبًا وهي التعدي على إحدى العاملات في وقت ومكان عملها في عيادة طبيب مشهور، مع تواطئ واضح من زميلتها التي لا يشغلها سوى الحفاظ على وظيفتها فى العمل، وكالعادة يلعب المجتمع دور الجلاد والخصم والحكم فيضغط على الضحية لإجبارها على التنازل عن حقها –الذي لن تستطيع إثباته_ ولكنها ترفض الاستسلام فتكون النتيجة الحتمية أن يتخلى عنها أقرب الأقرباء ولا تجد الدعم إلا من القليل.
هذه المرة في “صوت وصورة” وسائل التواصل الاجتماعي والسوشيال ميديا كانت سلاحا ذو حدين، ولكنها على الأقل أتاحت للناجية مساحة للتعبير عن نفسها وكشف الحقيقة، كما أنها أتاحت أيضا للمشاهدين فرصة للنقاش المجتمعي المفتوح حول القضية أثناء عرض المسلسل، الذي جاء ليؤكد للجميع أن العنف والتحرش والاعتداءات المختلفة في العمل لا تزال قضية محورية تؤثر على حياة النساء وفرص تواجدهن فى سوق العمل وقطاعات العمل المختلفة، وأنه في ظل غياب ضمانات الحماية يصبح الانتقام والتنكيل بالشهود والمبلغين أمرًا طبيعيًا ومتوقعًا، وفي ظل غياب آليات الحماية واختلال موازين القوى بين العاملة وصاحب العمل يصبح حصول الناجية على حقها فى فرصة تحقيق وإبلاغ وشكاوى آمنة هو درب من الخيال، ويصبح الحصول على فرصة تقاضي عادلة وأحكام عادلة وتعويضات عادلة هو حلم بعيد المنال.
الاتفاقية 190 والتوصية 206 الملحقة بها والتى صدرت منذ عام 2019 تعتبر المرجعية الدولية القانونية الأولى من نوعها التي اشتملت على تعريف العنف والتحرش فى عالم العمل، والتي تقدم حلولًا واقعية لسياسات الحماية وتفعيل آليات الإبلاغ والشكاوى والتحقيق بما في ذلك التصدي لانعكاسات العنف المنزلي على واقع النساء فى العمل، حيثما تبرز التقاطعية بين العنف فى المجالين العام والخاص.
الوقت حان بلا جدال لتبني الاتفاقية والتصديق عليها، والفن والإعلام هما أطراف أصيلة فى حملتنا من أجل بيئة عمل آمنة بل وعالم عمل آمن للجميع لكي يصبح القانون فى صالح رضوى.