العنف ضد المرأة.. نظرة على التشريعات الوطنية (1)

مؤتمر حول الحماية التشريعية لمواجهة العنف ضد النساء
ديسمبر 12, 2024
العنف ضد المرأة.. جرائم في القوانين الوطنية (2)
ديسمبر 29, 2024

كتبت وئام قاسم ..

في بداية الألفية الجديدة، وضع عدد من الخبراء والاستشاريين بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تقرير لتحديد مسار للتنمية الإنسانية في دول العالم العربي، حدد التقرير ثلاثة أوجه للقصور تقف أمام تنمية إنسانية حقيقية لمواطني الدول العربية وهي اكتساب المعرفة، والحريات السياسية، وحقوق المرأة، وتمثل الثلاثة أوجه مشكلات القرن الواحد والعشرين التي هيمنت على عالمنا العربي، وما زالت تمثل تحديات كبيرة أمام الشعوب حتى الآن ومنها الجهل، وقصور الديمقراطية وتداول الحكم، وهيمنة الفكر الذكوري على كافة مناحي الحياة.

خاضت مصر ضمن الدول المخاطبة بمثل هذا التقرير، مشوارًا طويلًا في جهود الإصلاح اللازم لإزالة العوائق وأوجه القصور لتحقيق تنمية إنسانية لمواطنيها، وربما نجحت ببعض المحاولات في التغيير على صعيد اكتساب المعرفة كتوفير الإنترنت على سبيل المثال، وانتشار أماكن الثقافة العامة وغير ذلك من الجهود.

وربما مرت على مصر بعض الأوقات التي اكتسب فيها المواطنين بعض من الحريات السياسية، على مستوى الممارسة السياسية وحرية الرأي والتعبير وغيرها، دون التطرق إلى مدى تمكنهم من المحافظة على هذه المكتسبات من عدمه، ولكن على مستوى حقوق المرأة فظلت تلك المسألة عصية على التغيير الحقيقي على أرض الواقع بين الأسر العادية.

صحيح ان هناك أمثلة -أو ما يمكن تسميتها بالطفرات- على أسر تدعم نساءها لترقي عتبات الاستقلال والنجاح، إلا أن السواد الأعظم يعامل المرأة بصفتها جزء من المكتسبات الطبيعية يتحكم فيها كما يشاء.

 

دور البنى الثقافية والاجتماعية
للبنى الثقافية والاجتماعية دور محوري في نظرة المجتمع للمرأة وتشكيل سياق حالها، ودورها في المجتمع الذي تعيش فيه، ويشكل الموروث الديني الأساس الأكبر لهذه البنى الثقافية، وحين نتكلم عن الموروث الديني هنا فإننا لا نتكلم عن النصوص المقدسة، وإنما نتكلم عن التأويلات التي تم طرح هذه النصوص بها وتقاليد العرف التي تم ترسيخها في السياق الديني لخدمة المحافظة على نظام محدد للأسرة والمجتمع الذي لا يجب –في وجهة النظر هذه– الحياد عنه.

إذ بلورت الجهود الفقهية تراتبية في المكانة المجتمعية بين الرجل والمرأة، جعلت المرأة باستمرار في مكانة أدني من الرجل، وقد ترسخت شرعية هذا المفهوم نتيجة اقتراب أولئك الفقهاء من دواليب السلطة بشكل شبه مستمر، وكانوا هم أيضا الممسكون بتلابيب السلطة المعرفية وحدهم دون غيرهم من عموم الناس، لذلك كان يتم اللجوء إليهم في كافة مناحي الحياة.

 

هكذا لحقت اللعنة الأبدية جنس النساء، وأصبحن ناقصات عقل ودين مهما ظهرت تأويلات جديدة تحاول سد الهوة التمييزية في هذا النص أو في نصوص أخرى.

هذه اللعنة لم تنتج عن التأويلات الفقهية التقليدية والمحافظة وحسب، وإنما نتجت أيضًا من خلال تبني صورًا متناقضة عن المرأة في الثقافة الشعبية المصرية أو العربية، إذ شكلت هذه الصور المحملة بالحكايات والقصص والأساطير عن النساء، الابنة والزوجة، ذاكرة جمعية هدفت إلى صيانة وترسيخ قيم معينة داخل المجتمع تكرس لدونية المرأة، حيث استعملت الكلمات والعبارات والامثلة والشتائم في المفهوم الشعبي للدلالة على ذلك، فأصبحت تلك العبارات أو الشتائم من الممارسات الحازمة التي لا يأتيها الباطل خاصة إذا زادت نسبة الأمية في المجتمع بين البنات والنساء.

تولي عنصر آخر من عناصر البنى الاجتماعية في العالم العربي تحديد صور وأشكال مكانة المرأة فيه، وهو العصبة القبيلة التي تسيطر عليها السلطة الأبوية، نزعت السلطة الأبوية والعصبية الهوية الفردية لكلًا من الرجل والمرأة ووضعتهم في أطر محددة، حيث ألزمت الرجل التضامن في ولاية الدم والثأر، وجعلت المرأة وسيلة لإنتاج المزيد من الرجال.

وبالتالي ضمان قوة المكانة الاجتماعية والاقتصادية للقبيلة، ما خلق إطار من التحكم والسيطرة عليها وعلى دورها داخل العائلة. نتج عن هذا، على سبيل المثال، التحكم في تزويج الفتاة داخل إطار العائلة أو القبيلة بإختيار مباشر من الأب أو من له سلطة عليها في حال غيابه دون تدخل منها، أو حرمانها من الميراث، خاصة في الأرض، وبالتالي ضمان بقاء القوة الاقتصادية للأسرة داخل إطار القبيلة ما يعظم مكانتها في المجتمع الذي تعيش فيه.

بالطبع لا يتساوى مفهوم التحكم والسيطرة على المرأة عند كل المجتمعات، فهو يختلف بإختلاف البيئة المجتمعية، ومستوى الوعي، وأيضًا مستوى المعيشة الاقتصادي، لذلك فإن هذا المفهوم يجد هيمنة كبرى على الشرائح الاجتماعية الأكثر فقرًا، والمهمشة، والمنغلقة، وبالتالي يتركز فيها مستوى أقل من الحماية القانونية والاجتماعية للمرأة، ونجده أيضًا أكثر تأثرًا أو انصياعًا للثقافة الأبوية السائدة.

 

دور الدولة
تتحكم البنى الثقافية والاجتماعية سابقة الذكر في تحديد قيم وسلوك المجتمعات والأفراد الذين يعيشون فيها، فماذا عن دور الدولة؟

المفترض أن دور الدولة هو تنظيم العلاقات الاجتماعية بين مواطنيها على حد المساواة، وذلك من خلال الدستور (العقد الاجتماعي)، وضمان مبدأ سيادة القانون على الكافة. وتعبر القوانين الوضعية عن توجه السياسات العامة لمؤسسات الدولة تجاه موضوع بعينه، وبالتالي تكون عملية صناعة القوانين وتطويرها عنصرًا كاشفًا عن مدى إيمان مؤسسات الدولة وإقتناعها بمبدأ المساواة، وخاصة في شؤون قضايا المرأة.

وعلى المستوى الدولي، عملت الأمم المتحدة على خلق آليات لضمان القضاء على أشكال التمييز ضد المرأة، ومن ضمنها اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، إلا أن هذه الآليات تمثل حلقة ضعيفة يمكن كسرها بسهولة بالغة بسبب كثرة التحفظات التي أبدتها الدول العربية، ومن ضمنها مصر، على بنود هذه الإتفاقية، فضلا عن عدم التوقيع على البرتوكول الملحق بها، ما يخلق حالة من الشك في وجود إرادة حقيقية لتغيير الأوضاع المتعلقة بقضايا المرأة.

في 2016 شاركت مصر، عن طريق المجلس القومي للمرأة، في الدورة السابعة لـ لجنة المرأة للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)، مساهمة في إطلاق إعلان مسقط “نحو تحقيق العدالة بين الجنسين في المنطقة العربية.

يرتكز الإعلان على زيادة وتنمية جهود الدول العربية الأعضاء على اتخاذ التدابير والإجراءات المناسبة لتطبيق بنود المعاهدات والاتفاقيات الدولية المصدق عليها فيما يتعلق بتحقيق المساواة وإلغاء التمييز بين الجنسين وخاصة اتفاقية السيداو. كما طالب الإعلان أيضًا الدول العربية الأعضاء بسد الفجوة والإجراءات المتخذة في مجال حماية النساء والفتيات من العنف وضمان سبل الإنصاف لهن.

 

بعد عام، في 2017، أعلن رئيس الجمهورية أن ذلك العام هو عام المرأة المصرية لتكون قضاياها ومشكلاتها أولوية لدى الدولة، وأصدرت الدولة وثيقة عمل في مارس من العام نفسه، هي “الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة المصرية” اتساقا مع أهداف التنمية المستدامة لرؤية 2030. شملت الاستراتيجة 4 محاور لتمكين المرأة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وكان أخر هذه المحاور هو “حماية المرأة”. وضع هذا المحور عدة أهداف في مجال القضاء على العنف ضد المرأة؛ منها: الحد من التحرش – القضاء على كافة اشكال العنف – مكافحة الزواج المبكر – مناهضة ختان الإناث – تعديل قوانين الأحوال الشخصية – الحصول على الميراث… وغيرها.

 

إلا أن ما أغفلته الدولة المصرية في جهودها للإصلاح هو تغيير البنية الثقافية للمجتمع الذي يستصعب قبول تغيير مكانة المرأة فيه، خاصة الطبقات الاجتماعية الأكثر فقرًا والطبقات المهمشة، كما أغفلت العمل على إدراج مفهوم “عدالة النوع الاجتماعي” في منظومة إدارة العدالة والذي يضمن للمرأة وجود سلسلة من الإجراءات والتدابير التي تمكنها من الوصول إلى سبل الإنصاف.

 

ويعرف مفهوم عدالة النوع الاجتماعي على أنه إنهاء كامل لأوجه اللامساواة المتعددة بين النساء والرجال، وإتاحة سبل الإنصاف في مواجهة اللامساواة التي تؤدي إلى خضوع النساء للرجال. ويتحقق هذا المفهوم بإتاحة إمكانية الوصول إلى الموارد والسيطرة عليها بالاختيار الحر، بما يضمن تمتع الرجال والنساء بنفس الفرص ونفس الحقوق في القطاعات المختلفة.

ومن ضمن العوائق التي تقف امام تحقيق هذه العدالة؛ العنف القائم على النوع الاجتماعي، والذي يتمثل في العنف الأسري، والتحرش الجنسي، والاغتصاب، والختان، والزواج القسري، والعنف الجنسي، وغيرها من صور العنف.

وتلتزم مصر باتفاقات دولية متمثلة في العهود والاتفاقيات التي صدقت عليها لمحاربة هذا العنف، وذلك بكفالة اتخاذ كافة التدابير والإجراءات لإصلاح المنظومة التشريعية الوطنية للتوافق مع إلتزامتها الدولية لتحقيق أحد أهم أهداف التنمية المستدامة باعتبارها أحد أعضاء المجتمع الدولي. وفي السطور التالية نستعرض موقف التشريعات الوطنية المصرية من العنف القائم على النوع الاجتماعي بالنسبة للمرأة، وتطوراتها حتى الأن..

 

اتفاقية السيداو
صدقت مصر على اتفاقية السيداو في سبتمبر 1981، وتحفظت على 4 مواد هي:-

المادة 2 وتتعلق بالمساواة أمام القانون، وحظر التمييز في الدساتير والتشريعات الوطنية. والمادة 9 وتتعلق بقوانين الجنسية. والمادة 16 التي تتعلق بالزواج والعلاقات الأسرية. والمادة 29 وتتعلق بالتحكيم بين أطراف الاتفاقية، والإحالة إلى محكمة العدل الدولية في حالة الخلاف في تفسير أو تطبيق بنود الاتفاقية، وأسست مصر تحفظاتها على تلك المواد بمخالفتها مبادئ الشريعة الإسلامية التي تعتبرها مصر من المقومات الأساسية للتشريع الوطني كما ينص الدستور.

ولم تنضم مصر إلى البرتوكول الاختياري لاتفاقية السيداو الذي يتضمن بنود تنظم إجراءات الشكوى الفردية لهيئة الأمم المتحدة، وإجراءات التحقيق في مخالفة بنود الاتفاقية حتى الان.

في 2004، رفعت مصر تحفظها على المادة 9 المتعلقة بقوانين الجنسية. وعدلت تشريعاتها الوطنية لتتماشى مع أحكام الاتفاقية، فأصبح للمرأة المصرية المتزوجة من أجنبي حق نقل جنسيتها للأبناء، كما أكد الدستور المصري على هذا الحق بنص المادة 6.

وفي 2014، أكدت الحكومة المصرية –في تقريرها للاستعراض الدوري الشامل- على أنها تعكف لدراسة رفع التحفظ على المواد 2، و16 من اتفاقية السيداو، إلا أن ذلك لم يتم حتى هذه اللحظة.

وعلى الرغم من تحفظها على المادة 2 من الاتفاقية، جاء الدستور المصري في 2014 للنص على مبدأ المساواة أمام القانون بين جميع المواطنين، ولا تمييز بينهم بسبب الجنس كما جاء بنص المادة 53.

وعلى الرغم من التعديلات التي دخلت على الدستور، إلا أن هناك العديد من التشريعات التي تهدر مبدأ المساواة بالنسبة للمرأة مثل قانون الجنسية، سابق الذكر، الذي تم تعديله ليحق للمرأة المصرية تجنيس أبنائها من الزوج الأجنبي، إلا أن ذات القانون لا يعطي للنساء الحق في تجنيس الزوج الأجنبي مثلما يعطي هذا الحق للرجل.

تم إنتاج هذه المادة بالتعاون بين مؤسسة المرأة الجديدة وفكر تاني ضمن حملة مناهضة العنف ضد المرأة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.