ما يبقاش قلبك أسود يا آنسة .. الحكاية ما تستاهلش تضيعي مستقبله
كتبت: مي صالح، استشارية النوع الاجتماعي.
لم يعد بالأمر الجديد أو المدهش أن نرى ونسمع يوميًا ما تتداوله الصحف والمواقع الإخبارية ومراكز دعم ومساندة المعنفات عن واقعة اعتداء أو حتى عدة وقائع ضد إحدى النساء، وبعد توالي الإجراءات تنتهي القصة إلى التصالح في مشهد عبثي تتجلى فيه السلطة الأبوية والهيمنة الذكورية باقتدار.
بعض هذه الاعتداءات تتم من الزوج تجاه زوجته أو طليقته، وهي وقائع لا حصر لها وأحيانا ما تكون في إطار علاقة سامة ” توكسيك ” قد تتخطى الإيذاء النفسي والبدني بل تصل إلى خسائر كبرى فى العمل والعلاقات الاجتماعية أو الأبناء، وبعضها الآخر يحدث من قبل الأب أو الاخ أو العم أو الخال، والبعض يمكن أن يحدث من قبل شخص غريب قرر أن يستخدم العنف كعقوبة اجتماعية عبّر بها عن إرهابه الفكري مثلما حدث في واقعة اعتداء الصيدلي على سيدة أشمون بالمنوفية فى رمضان الماضي وأخريات تعرضن للتعدي بآلات حادة أو لحلق شعرها أو إلقاء مادة كاوية على ملابسهن.
وكان القاسم المشترك الأساسي في كل تلك الوقائع هو إجبار النساء فيها على التصالح سواء حدث بضغط من الأهالي والمجتمع أو بتشجيع ومباركة من الشرطة والنيابة بعد أخذ تعهد بعدم التعرض.
ولكن: هل شكّلت هذه التعهدات ضمانة فعلية لعدم التعرض مرة أخرى؟ .. هل حمت هذه المرأة ضحية الاعتداء أو أنقذت نساء أخريات؟!! الواقع يخبرنا أن الإجابة دائما بالنفي، وأبرز دليل على ذلك ما حدث مع عروس الاسماعيلية التي ضربت على مسمع ومرأى من المارة مؤكدًا زوجها بفخر أن ضرب النساء وتعنيفهن أمر طبيعي لدى العائلة بينما خيم الصمت على ملامح الزوجة التي كانت تعلم وكلنا معها أنها لن تكون المرة الأخيرة.
هذه النظرة الباهتة على وجوه النساء فى جلسات التصالح تخفي وراءها دائما مشاعر القهر والظلم والغضب المكتوم، وتكشف عن مدى قسوة المجتمع الذي تهاون في حقها بل وربما حمّلها مسؤولية ما تعرضت له.
بعض النساء استطعن إدارة مفاوضة ناجحة قبل التصالح والخروج باتفاق قد يكون مرضيًا بشكل نسبي، أما البعض الآخر وهن الغالبية العظمى لم تكن لديهن نفس الفرصة للتفاوض وتم إجبارهن على خطوة التصالح بدعوى الحفاظ على شمل الأسرة وترابطها أو لصيانة قيم المجتمع واتباع تعاليم الدين أو حتى بدافع الحفاظ على حياة ومستقبل الجاني، أو تم إرغامهن على قرار الصلح في جلسات عرفية تمت بالنيابة عنهن ولم تكترث لأوجاعهن.
الصلح خير حينما يكون الخطأ غير متعمد وغير مقصود وغير معتاد وهذه الشروط لم تعد تتوفر في جرائم العنف التي تمارس كل لحظة ضد النساء، وتصل إلى القتل العمد على قارعة الطريق لكي تؤكد على معنى واحد واضح أصيل لا يقبل الشك أو التأويل وهو أنه “من أمن العقاب أساء الأدب”، وأن استباحة أجساد وحياة النساء بهذه الصورة لم يكن ليحدث لو أننا لم نتنازل ونتهاون مع الجناة، لو أننا لم نستهن بشكاوي النساء وبلاغاتهن من التحرش والضرب والتهديد والتتبع والملاحقة والابتزاز .. لو أننا ببساطة صدقنا الناجيات.
واقعة عروس الاسماعيلية وسيدة المنوفية وغيرها كثيرا، تعكس كيف تصالح المجتمع مع العنف والمعنفين وكيف برر وحرض وتكيف مع العنف، حتى دفع النساء دفعًا لقبوله والتعايش معه، ولكن الحقيقة أن النساء لم يتسامحن يومًا مع هذا العنف .. الرفض والمقاومة كانت حاضرة فى صورًا متعددة ولكن المجتمع لم يرغب فى رؤيتها ولم يرد لها أن تخرج إلى النور بل وحرص كل الحرص أن يبقى الوضع على ما هو عليه وعلى المتضررة أن تضرب رأسها في الحيط.
ولكننا يا سادة لن نضرب رؤوسنا في الحيط وإنما سنلجأ دوما إلى القضاء وإلى القانون الذي هو خط الدفاع الأول لحماية النساء وصوت من لا صوت لهن.
اليوم وكل يوم سنظل نطالب بإعمال القانون ومعاقبة الجناة وإعادة تأهيلهم مرة أخرى من منطلق احترام حقوق النساء وحرياتهن وأجسادهن وكرامتهن، وتعويض الناجيات عن الأضرار التي لحقت بهن من جراء العنف بدلا من دفعهن نحو التصالح القسري .. هذه الرؤية شملتها مسودة القانون الموحد لمناهضة العنف الذي توافقت عليه المؤسسات النسوية ووقّع عليه ستون برلمانيًا، فهل ينصف النساء مجلس النواب ويُقر مشروع القانون قريبًا، لكي نغلق طريق التنازل ونمهد طريقًا نحو العدالة؟