بيئة العمل بين الكفاءة والجمال.. متى يتوقف المجتمع عن جعل النساء “لذيذات”؟

اختتام جلسات الحوار المجتمعي حول “العمل اللائق للنساء بين اقتصاد الرعاية وآليات الحماية”
ديسمبر 31, 2024
مجلة حدوتة حتتنا
العدد الكامل من “حدوتة حتتنا”.. بين الكتابة والرسم النساء يُبدعن.
يناير 13, 2025

كتبت وينا رستم..

تسعى ليلى لتعيش حياة هادئة بلا ضغوطات إضافية وتطمح بعمل مستقر وناجح، وبينما تجتهد كل يوم كي تستيقظ مبكرًا للغاية، وتبدأ يومه بإعداد الفطور وإيقاظ طفليها، إلباسهما وإطعامهما، ثم ترافقهما إلى المدرسة.

تمسك بيد ابنتها الصغيرة التي تشد على يد أختها الأكبر منها، وتوصلهما إلى باب المدرسة حيث تودعهما بابتسامة وتستقل سيارة النقل الذكي التي طلبتها مسبقًا.

تعمل ليلى -اسم مستعار- محاسبة في إحدى الشركات الكبرى، حيث تجلس على مكتبها يوميًا في التاسعة صباحًا، لتبدأ يوم عمل مكثف لا يتخلله سوى استراحات قصيرة تُريح فيها فقرات ظهرها المُتعبة.

تقول ليلى لـ فكّر تاني: “بينما أمر في واحدة من الطرقات، سمعت أغرب تندر على أسباب تعييني ونجاحي طوال سنوات العمل في هذه الشركة ويؤكد أن السبب إني ست جميلة”.. وتضيف، أنها تعمل ما يزيد عن العشرين عامًا وما زال الناس يعتقدون أن السبب هو جمالها وليس كفائتها، وهو أمر غير مفهوم لها حتى الآن.

وتضيف: “سمعت كثيرًا تعليقات عن مظهري وإعجاب المدير بي، ولم أسمع مرة واحدة كلمات تشيد بمجهودي وتفانيّ في عملي.. لمَ لا يقول الناس خيرًا أو يصمتوا؟”

ومع كل يوم يمر، تشعر ليلى بتزايد الضغوط عليها، ما بين التحرشات التي تواجهها في الطريق، والتعليقات الجارحة في بيئة العمل، والمسؤوليات المنزلية التي لا تنتهي. تتساءل ليلى بمرارة: “كيف يمكن للمرأة أن تعمل وسط هذا الكم من الضغوط لمجرد كونها امرأة؟”

اقرأ أيضًا:العنف ضد المرأة.. نظرة على التشريعات الوطنية (1)

خلف الكواليس

بينما تكشف إسراء العسال، ممثلة مسرح، لـ”فكر تاني” عن كواليس ما تواجهه النساء العاملات في مجال الفن، وتحكي عن إحدى المرات، التي اختار فيها مخرج سينمائي شابًا وفتاة للمشاركة في مسلسل تلفزيوني، وتؤكد:تناثرت الأقاويل حول البنت التي تم اختيارها بينما لم يتحدث أحد عن اختيار زميلنا الشاب!”.

وتصف إسراء: “وكأنهم كانوا يضعونها أمام الميزان، يقيسون كل جزء بها إن كان يستحق الفرصة أم لا، ليس على أساس عملها، لكنه كان مقياسًا لمدى جمالها، واتساق جسدها مع العمل الفني وحسن اختيار المخرج لها”

وبينما كانت الفتاة قد اجتهدت لتحقيق هذه الفرصة، لم تتوقف التعليقات السلبية التي تنسب نجاحها إلى شكلها فقط.

“حتى إن البعض أشاروا إلى أن جمالها هو ما جذب انتباه المخرج، متغاضين عن حقيقة أنها حصدت العديد من الجوائز في التمثيل وحققت نجاحًا كبيرًا في عروض مسرحية متعددة”.

وتؤكد هذه المعاناة الإحصاءات التي أعدها مركز بيو للأبحاث؛ حيث أظهرت أن فمعظم النساء اللاتي يعملن في أماكن ذات أغلبية نسائية يشعرن بإنصاف عندما يتعلق الأمر بالتوظيف والذي يصل إلى نسبة 79% وفرص الترقية والتقدم بنسبة 70%،  أما النساء العاملات في أماكن يغلب فيها الذكور، فلهن نظرة مختلفة تمامًا حيث تنخفض النسبة لتصبح 48 % منهن يُعاملن بإنصاف فيما يتعلق بالتوظيف، بينما يرى عدد أقل بنسبة 38 % أنهن يعاملن بإنصاف في الترقيات والتقدم.
التمييز في الأجر
تعمل شاهندة عاشور في مجال البرمجة وتبلغ من العمر 26 عامًا، بدأت حياتها المهنية في شركة عقارات بالغردقة عندما كانت في التاسعة عشرة فقط، وعملت لساعات طويلة تصل إلى 12 ساعة يوميًا دون أي أجر إضافي.

تحكي شاهندة لـ فكّر تاني، عن اهتمامها بالموضة والمكياج وحبها للتسوق، وكيف يُفسر زملائها ومديرها أن هذه الاهتمامات محاولة للفت الانتباه: “حين ذهبت ذات يوم إلى العمل ولم أكن أهتم بمظهري علّق مديري قائلًا: طقم إمبارح كان حلو، جايه كده ليه النهارده؟”.

وتؤكد شاهندة أنها لاحظت فروقات واضحة في الأجور بينها وبين زملائها الذكور رغم تساوي المجهود، ووفقًا للإحصاءات السابق ذكرها عن مركز بيو لأبحاث النوع الاجتماعي، أن  النساء العاملات في بيئات يغلب عليها الذكور يشعرن بشكل أكبر بأنهن يُعاملن كما لو كنَّ غير مؤهلات بسبب جنسهن، بنسبة تصل إلى 37%، مقارنةً بالنساء العاملات في بيئات تهيمن عليها الإناث 20% فقط، و18 % لمن يعملن في بيئات عمل متساوية الفرص.

أما عن الفجوة في الأجور، فتأتي نسبة النساء اللاتي أبلغن عن حصولهن على أجور أقل من الرجال في نفس الوظيفة، بحسب بيو للأبحاث، فتصل النسبة في أماكن العمل التي يهيمن عليها الذكور 35%، مقارنةً بالأماكن التي تهيمن عليها الإناث 22% أو الأماكن ذات النسبة المتساوية من الرجال والنساء 23%.

اقرأ أيضًا:العنف ضد المرأة.. جرائم في القوانين الوطنية (2)

المرأة بين التمييز والإنصاف
ليلى، شاهندة، وإسراء وغيرهن الكثيرات يعشن يوميًا تحت وطأة معايير المجتمع التي تقيم المرأة بناءً على مظهرها أكثر من كفاءتها المهنية، وبين السعي لتحقيق النجاح في العمل والتحديات المجتمعية، تواجه النساء ضغوطًا مضاعفة لإثبات جدارتهن.

وتقول الدكتورة منى عبد المقصود، خبيرة البرامج التدريبية الإعلامية، إن المظهر في بيئة العمل يُعد عنصرًا جوهريًا لتكوين الانطباع الأول، كما أنه يعكس صورة المؤسسة التي يمثلها الفرد، ما يجعل العناية بالمظهر ضرورة ملحة لكل من الرجال والنساء على حد سواء في سياق العمل.

وتوضح الخبيرة الإعلامية لـ فكّر تاني، أنه بالرغم من ذلك، يرتبط المظهر بالمرأة بشكل خاص، حيث تسلط وسائل الإعلام الضوء على جمال المرأة وأزيائها بدلًا من إنجازاتها المهنية، ما يعزز الصور النمطية التي تقلل من دور الكفاءة والجدارة، وتشير إلى أن هذه النظرة تنتج عن عوامل اجتماعية متعددة منها التقاليد، والصناعة الإعلامية، التي تشكلت عبر الزمن وأثرت على كيفية النظر إلى المرأة في بيئة العمل، ويساهم الإعلام بشكل كبير في ترسيخها.

وترى الدكتورة منى أن التركيز على جمال النساء يغفل دورهن في تحقيق النجاح المهني ما يضعهن أمام تحديات إضافية وتوضح: “تُروج الإعلانات للمرأة بإعتبارها سلعة عبر استخدام الجمال لجذب الانتباه، فيما يتم التركيز بشكل مفرط على المظهر الخارجي للنساء، خاصة في المناسبات الفنية والثقافية”.

“على سبيل المثال، نجد أن تقارير المهرجانات الفنية غالبًا ما تتمحور حول أزياء الفنانات ومظهرهن، مع تجاهل نسبي لإنجازاتهن أو محتوى أعمالهن”.

ترى الدكتورة منى أن هذه الظاهرة موجودة في كل بيئة عمل تقريبًا، كما تعتقد أن المرأة الجميلة تواجه عبئًا إضافيًا يتمثل في ضرورة إثبات كفاءتها وقدرتها وإنجازاتها المهنية، فهي تحتاج إلى بذل جهد مضاعف لتوجيه الانتباه بعيدًا عن مظهرها الخارجي.

وتقول: “على الجانب الآخر، يبدو أن المرأة التي لا تركز كثيرًا على زينتها أو مظهرها الخارجي قد تجد من السهل نسبيًا أن ينصب تركيز الآخرين على نجاحها المهني وما تبذله من جهد في العمل، وهذه المفارقة تؤكد أن المظهر يمكن أن يكون عاملًا مؤثرًا، لكنه في الوقت نفسه قد يضيف تحديات غير مبررة لبعض النساء في إثبات ذاتهن في العمل”.

معالجة متعددة الأبعاد لقضايا المرأة
في فيلم “صمت الحملان أو The Silence of the Lambs” سلط المخرج جوناثان ديم، الضوء على قضايا المرأة من خلال سردية تجمع بين الإثارة النفسية والجريمة، عبر حبكة متقنة وشخصيات معقدة، حيث عالج الفيلم التحديات التي تواجهها النساء في بيئات يهيمن عليها الذكور، مستعرضًا موضوعات القوة والجنس والهوية.

ظهرت معالجة قضايا المرأة بوضوح في شخصية كلاريس ستارلينغ، التي تمثل نموذجًا للمرأة القوية في بيئة ذكورية، وكلاريس المتدربة الشابة في مكتب التحقيقات الفيدرالي، كافحت لإثبات كفاءتها وسط تحديات مستمرة في بيئة يغلب عليها الرجال.

يظهر الفيلم الصراعات التي تخوضها النساء من خلال مشاهد تعكس العزلة التي تشعر بها البطلة، مثل الاجتماعات مع زملاء رجال أو أثناء العمل الميداني، حيث كانت غالبًا المرأة الوحيدة، وعلاوة على ذلك، برزت العلاقة بين كلاريس والدكتور النفسي والقاتل المتسلسل هانيبال ليكتر كمحور مهم في الفيلم.

حملت هذه العلاقة مزيجًا معقدًا من القوة والخوف، فرأى هانيبال في كلاريس أكثر من مجرد “ضابطة شابة”، إذ احترم ذكاءها، لكنه في الوقت ذاته استغل نقاط ضعفها النفسية المرتبطة بماضيها، وعبر هذه العلاقة، استعرض الفيلم صراع المرأة مع استغلال السلطة، سواء جسديًا أو نفسيًا.

وتشير المحامية نهى سيد، المديرة التنفيذية لمبادرة “صوت لدعم النساء”، إلى نص اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة والتي أكدت على أهمية دور المرأة في تنمية المجتمع والذي غالبًا لم يتم الاعتراف به حتى الآن على نحو كامل.

وتستكمل نهى لـ فكّر تاني: “يتم ترسيخ مفهوم الميل للذكورية من داخل المجتمع، حيث لا ينظر المصريين إلى جهود وكفاءة النساء في العمل ويروج لأنه في حالة ترقي أى سيدة لمنصب مرموق في عملها يعود لكونها أنثى على سبيل المجاملة لنوعها الاجتماعي وليس لكفاءتها المهنية”.

وبحسب المحامية، فإن تولي النساء مناصب عليا في مجالي العمل الخاص والعام يُعد إشكالية ويتم التعامل معه باعتباره تحيزًا للنساء، خاصةً إن كانت سيدة ذو مظهر حسن أو جميلة الملامح، هذا ما يجعلها عرضة للانتقاد وليس للإشادة بدورها المميز في عملها.

وتؤكد نهى سيد على أهمية تغيير النظرة المجتمعية لتقييم الأفراد بناءً على الكفاءة والجدارة بعيدًا عن التركيز المفرط على المظهر، في ظل نظام اجتماعي يقيّم النساء بناءً على مظهرهن، تبقى النساء في معركة مستمرة لإثبات أنفسهن.

وبينما يبقى الأمل في مستقبل أكثر عدالة، يتطلب الأمر جهودًا مشتركة لتغيير النظرة المجتمعية وتعزيز قيم الإنصاف والكفاءة في العمل.

 

تم إنتاج هذه المادة بالتعاون بين مؤسسة المرأة الجديدة وفكر تاني ضمن حملة مناهضة العنف ضد المرأة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.