نظمت المرأة الجديدة بالتعاون مع براح آمن وبينار إقليمي بعنوان “هل تعاني النساء في دول السلم السلبي من أشكال متعددة من العنف؟” شاركتنا فيه ناشطات نسويات وحقوقيات من تونس وفلسطين ومصر.
آمنة النفاتي: ناشطة نسوية تونسية، نيفين عبيد: المديرة التنفيذية للمرأة الجديدة، وباحثة في التنمية والنوع الاجتماعي، وسفانة أبو صافية: محامية متدربة وحقوقية، ولاجئة فلسطينية من الأردن، شيماء طنطاوي: باحثة وكاتبة نسوية مصرية، وأدارت النقاش آية عبد الحميد: مديرة مشروع مرصد ألوان وناشطة نسوية، وتينا حامد: ناشطة نسوية.
تناول الويبينار عدة محاور منها تعريف العنف المركب وتأثير الحروب في المنطقة على أوضاع النساء في دول السلم السلبي، ودور العوامل الثقافية، الاجتماعية، والاقتصادية في تفاقم العنف المركب، والسياسات الممكنة لمواجهة العنف المركب.
علقت آمنة النفاتي من تونس، أن الحروب المحيطة في المنطقة عززت بيئة إقليمية تتسم بالصراعات، مما أدى إلى تهريب الأسلحة واستخدام العنف ضد النساء، خاصة من قبل الأزواج، بالإضافة إلى الأزمات الاقتصادية التي تؤدي إلى تسريح النساء من سوق العمل. كما لفتت إلى أن البطالة والفقر يمكن أن يؤديان إلى زيادة العنف الأسري وتقبل العنف كوسيلة للتربية وانعدام الوعي بالقوانين، التي تحمي النساء من العنف، مما يخلق عنف مضاعف تجاه النساء.
في مداخلتها، تناولت سفانة أبو صافية لاجئة فلسطينية من الأردن ، أشكال متعددة ومتقاطعة ومركبة من العنف، وترى سفانة أنه لا يوجد عنف غير مركب، ترى سفانة أننا في منقطة الشرق الأوسط لا نعيش سوى في سلم سلبي، نتيجة الفوضى بعد الثورات العربية، وهو ما نعيشه.
سفانة أبو صافية أشارت إلى أشكال متعددة ومتداخلة من العنف، كما ترى أنه لا يوجد عنف غير مركب، مؤكدة على أن الفوضى بعد الثورات العربية أدت إلى حالة من السلام السلبي في المنطقة.
تحدثت سفانة عن العنف الجسدي والجنسي الذي تتعرض له النساء في غزة من قبل الاحتلال، بالإضافة إلى العنف اللا إنجابي بسبب قتل النساء وقتل أرحامهن، كما لفتت النظر إلى أن النساء تقع ضحايا تقاطع العنف الاقتصادي مع النوع الاجتماعي، وهو ما يمثل عنف مركب في دولة نزاع.
وانتقلت سفانة إلى وضع النساء في الأردن وتصاعد العنف تجاه النساء، وهو ما يظهر في التعامل مع الوقفات التضامنية مع غزة، كما تناولت العنف المبطن الذي يحدث من الشعب ضد الشعب، وحالة الاحتقان التي تظهر في العنف اللفظي بسبب الاختلاف الفكري بطريقة الاستقواء، وهو ما يظهر خاصة ضد النساء في المظاهرات بعمان.
تحدثت شيماء طنطاوي عن العنف المركب والتقاطعية التي يتم ممارستها على النساء في السياق المصري، حيث ذكرت أن معظم وقائع العنف ضد النساء، به تقاطعية سواء في المجال العام أو الخاص، حيث تتعرض النساء لأكثر شكل من أشكال العنف في نفس الواقعة الواحدة، كما يقع العنف من أكثر من شخص في نفس الواقعة كما يحدث في أوقات التجمعات الكبيرة، وكما حدث في الثورة، كما يبدأ من قبل فرد ثم تنضم له مجموعة أفراد وصولا للعنف الذي تمارسه مؤسسات الدولة في التعامل في إجراءات الإبلاغ والتقاضي.
ولفتت النظر إلى انغلاق المجال العام بشكل مضاعف الآن، ولازالت تستخدم الادعاءات ضد التجمعات والمنظمات النسوية بأجنداتها الغربية، وهو الخطاب الذي رسخته الدولة، في حين أن المنظمات النسوية تشتبك دائما مع ما يحدث تجاه النساء في دول النزاع.
في هذه اللحظة التاريخية، لا يلتفت إلى أولويات النساء، باعتبارها ليست أولوية، رغم أن النساء جزء من كل قضية ونزاع سياسي، وحتى النساء تحت النزاع المسلح لا تُرى أولوياتهن، مثل ما تم التقليل من احتياجات النساء من الصحة الإنجابية والجنسية.
وفي مداخلتها علقت نيفين عبيد، الباحثة في التنمية والنوع الاجتماعي والمديرة التنفيذية للمرأة الجديدة، أن دول السلم السلبي في المنطقة العربية، لديها مقومات ترشحها للنزاع، حتى لو لم يكن نزاع مسلح، ومصر محاطة بدول لديها نزاعات مسلحة، وعند العمل على تقاطعية العنف أثناء النزاع المسلح، فنحن أيضا نتعرض للعنف، وندفع ثمن النزاع المسلح في الدول الأخرى، وتدفع النساء أثمان مضاعفة نتيجة تراكم هويات تعبر عنها، كما تعاني النازحات إلينا إلى عنف مركب نتيجة الخطاب الإعلامي تجاههن.
أما كيف يمكن السياسات مواجهة أشكال العنف المركب، فرأت نيفين عبيد أن قانون العقوبات لا يعرف التمييز متعدد الهوية، وأن الناشطات النسويات يملن لفكرة القوانين المستجيبة للنوع الاجتماعي والفئات الأكثر ضعفا وتهميشًا.
القانون لا يعرف الهويات المركبة، وبالتالي تغيب نظرة مختلفة في التعامل مع قضايا العنف الطائفي، والاستقطاب الطائفي، وهو ما يعرض النساء لضغوط مختلفة، ويميل المجتمع والأجهزة التنفيذية إلى تذكية الإفلات من العقاب باستخدام آليات الصلح العرفية وهو لا يخلق حالة من السلم الاجتماعي ولكن يخلق حالة من حالات تعدي الحدود، ولا يحقق فكرة العدالة التصالحية، كما أن القانون لا يراعي أهمية تغيير الثقافة القبلية، كما أن الدولة لا تغير من خطابها الإعلامي تجاه التعدد الديني أو أهلية النساء، بغض النظر عن توجهها الديني.
وأكدت نيفن، على أهمية البحث في مدى إمكانية تقديم رؤية مختلفة لتقديم حماية تشريعية للنساء على اختلاف هوياتهن، أيا كانت مسببات العنف من خلال الدفع بقانون العنف الموحد، وهو ما من شأنه خلق مرجعية ثابتة للمشرع لضمان حماية للنساء المعنفات.
الآثار الاقتصادية على النساء في مصر يتم التعامل مع وضع اقتصادي طاحن على الجميع، ويقع التأثير الأكبر على النساء الناجيات من العنف
ورأت شيماء طنطاوي، الباحثة والكاتبة النسوية، وجود شكل معقد ومركب من التمييز والعنف الاقتصادي يقع على النساء، وهو ما تقاومه النساء سواء المصريات أو النازحات، فحصول النساء على مسكن آمن تلجأ له في حال تعرضت لعنف، يلزم إمكانية اقتصادية وليست بالضرورة في إمكانياتها، وفي حالة النساء النازحات أو لاجئات، فهي تدفع أضعاف ما تتعرض له النساء المصريات من مضايقات.
وحول الآثار الاقتصادية للعنف في دول السلم السلبي، عرضت سفانة وضع الأردن التي مرت بمراحل من اللجوء مع الفلسطيني واللجوء العراقي والسوري، والتي تصدر قوانين مختلفة كل فترة تزيد من سوء أوضاع اللاجئين، منها عقوبات الترحيل إلى مخيمات مغلقة، في حال بعض التجاوزات من قبل اللاجئين.ات.
“الحروب تزيد الفقراء فقرًا” هكذا علقت سفانة على الأوضاع الاقتصادية للنازحيين.ات، وعن تغير تعامل الدولة معهم، بداية من الاستفادة من أموالهم نظرًا لحاجتها لانتعاشة اقتصادية في بداية النزوح، ثم فرض قيود عليهم، من خلال تحديد بعض الأعمال التي يتم تخصيصها للأردنيين فقط، واستبعاد النازحين من العمل فيها.
أوصت نيفين عبيد الحديث بوجوب خلق تدخلات لتعريف الخطابات الحاضة على الكراهية والتعصب، ومحاولة تقديم تدخلات آمنة للحد من هذه الخطابات خاصة الواردة من وسائل الإعلام، لمساهمته في خلق وعي مجتمعي يرتاب من النازحين.
وأكدت على أهمية الحديث عن قانون العنف الموحد، وعن آمالها في مواكبة القانون لتغيرات المنطقة العربية، وتوفيره الحماية لكل النساء اللاتي يتعرضن للعنف على أرض مصر، خاصة في ضوء حالة النزاع المسلح في الإقليم، بالإضافة إلى ضرورة التفكير في إصدار حزمة تشريعية لحماية النساء منها قانون مكافحة التمييز وقانون مفوضية مكافحة التمييز، كما يجب العمل على ملف اللاجئات باعتبار مصر دولة سِلم ومستقبلة للاجئين.
أما شيماء طنطاوي، فرأت أن هناك احتياج لتغيير شامل ورؤية متكاملة في تغيير التشريعات، وهو ما يستدعي الحديث عن قانون العنف الموحد، بجانب ضرورة تغيير السياسات والممارسات، وتغيير الوعي المجتمعي، وتغيير طريقة تعامل الجهات الشرطية والتنفيذية مع الناجيات من العنف، وتغيير في تعامل الجهات القضائية مع النساء الناجيات من العنف، وأهمية توفير جودة أفضل في الخدمات المقدمة للناجيات من العنف تناسب الوضع الراهن سواء في التعامل مع النساء المصريات أو النازحات.
ترى سفانة أنها في مرحلة مراقبة لوضع الصراعات في الشرق الأوسط الجديد، ولا يمكن أن تقدم توصيات في ظل صراعات بمواجهة النظام الأبوي، وفي حاجة إلى وقف الحرب، لتجميع قصص الناجيات من حرب الإبادة بغزة والسودان، والحرب في لبنان، والتفكير في ماذا نحتاج لأنفسنا وللنساء وللنسويات.