من واقع رؤية منظمات المجتمع المدني والمبادرات النسوية والأحزاب السياسية في مصر، كيف نتعامل مع ملف العنف ضد النساء؟
نظمت مؤسسة المرأة الجديدة ضمن نطاق مشروع “الحماية التشريعية لمواجهة العنف ضد النساء” جلستي حوار مجتمعي مع عدد من المنظمات المعنيّة بحقوق النساء والمبادرات النسوية، وعدد من الأحزاب السياسية المصرية، وذلك للنقاش حول تطوّر ظاهرة العنف ضد النساء في مصر، وماهية الاعتبارات المختلفة التي يجب التفكير فيها عند التعامل مع هذا الملف، والأولويات التي من المهم الأخذ بها.
تزامنت هذه الجلسات مع احتفالات أيام المرأة على المستوى الدولي والمحلي، وبغرض بلورة خطة عمل مع الأطراف المختلفة التي لها دور مهم في دعم حملة “حماية النساء أولوية” والتي تهدف إلى وجود تشريعات وطنية تحمي النساء من العنف.
طرحت الجمعيات والمبادرات والأحزاب المشاركة في الجلسات، أهمية التنسيق والعمل في محاور مختلفة لمناهضة العنف ضد النساء، من حيث الإطار التشريعي وأهمية توافر آليات قانونية فعّالة وفاعلة تلجأ لها النساء وتضمن لهن ألا تتعرّض لمزيد من الممارسات التي تهدد من سلامتهن النفسية أو تنتهك أجسادهن. ودار النقاش حول ضرورة توافر وحدات مناهضة العنف ضد المرأة في أقسام الشرطة وليست مديريات الأمن فقط، كذلك أهمية وجود تشريعات مثل مشروع القانون الموحّد لمناهضة العنف ضد المرأة الذي قدمته قوة العمل، والذي يتضمن برامج للوقاية والأدوار التي تلعبها شرائح مجتمعية مختلفة في مشروع القانون لمناهضة العنف الذي يستهدف النساء بالأساس. كذلك تم التطرّق إلى القانون الذي صدر بتعديل أحكام قانون الإجراءات الجنائية في عام ٢٠٢٠، والذي ينص على حماية بيانات الناجية، وأن هذا النص لا يتضمن إجراء عقابي وكذلك لا يضمن بصورة كافية حماية بيانات المبلغات وذويهن، مما يعرّضهن إلى الملاحقة والخطر. أيضًا، لا توجد أدوارًا واضحة للهيئات الرقابية على الجهات المنوط بها استقبال حالات الناجيات من العنف.
هل التشريعات وحدها هي الحل للتصدي لوقائع العنف التي تستهدف النساء؟
دار النقاش حول مدى فعالية الأداة التشريعية في إحداث تغيير مجتمعي على نطاق واسع من أجل مناهضة العنف ضد النساء وخلق ثقافة مجتمعية قائمة على احترام قيم المساواة بين الجنسين ولا تنتهك حق النساء في تواجدهن في المجال العام وحقهن في الاختيار. بدون شك، يلعب القانون دورًا كبيرًا في طرح القضايا مما يسمح للأطراف المختلفة أن تلعب دورها في التوعية والنقاش حول هذه القضايا ومن ضمنها الإعلام ومنظمات المجتمع المدني المختلفة. بيد أنه لا يمكن التغافل عن العوامل المختلفة التي لها دورًا جوهريًا في إنفاذ العمل بهذه القوانين، وعلى رأسها الوضع الاقتصادي ومدى استقلالية النساء ماديًا وأثر ذلك على قدرتهن على اتخاذ القرارات المتعلقة بمواجهة ما يتعرّضن له من مظاهر العنف المختلفة، وبالتالي فإن توافر إرادة منفردة ومستقلة للنساء إزاء حقوقهن وأجسادهن من خلال الاستقلال المادي لا يمكن فصلها عن قدرتهن على الوصول إلى قنوات التشريعات وأجهزة الدولة المختلفة المعنيّة بالعدالة.
بالإضافة إلى ذلك، تلعب البيوت الآمنة ودور الاستضافة دورًا هامًا في تقديم ملاذًا آمنًا للناجيات من العنف، بما يضمن ألا تتعرّضن للملاحقة والضغط والتهديد لدفعهن على التنازل، وبالتالي من المهم النظر في مدى كفاية هذه البيوت توزيعها جغرافيًا والسياسات التي تتضمن دخول النساء إليها وتوافر معايير الأمان والحماية لهن. هذا بجانب دور الدعم النفسي وأهمية تقديمه من خلال المؤسسات التابعة للدولة وكذلك منظمات المجتمع المدني والمبادرات المعنيّة بحقوق النساء، وأهمية تقديمه لدعم الناجيات من العنف معنويًا ورأي الضرر المعنوي الناتج عمّا تعرّضن لهن. كما تم الإشارة إلى أهمية وجود مرجع كدليل لمقدمي الخدمات لقواعد تقديم خدمات الدعم النفسي للناجيات من العنف.
الفرص والتحديات التي يواجهها مشروع القانون الموحّد لمناهضة العنف ضد النساء:
طرحت النقاشات التي دارت تحديات مختلفة يواجهها مشروع القانون الموحّد، فعلى الرغم من تمكُّن مشروع القانون من الحصول على ستين توقيعًا في الدورة البرلمانية الحالية والماضية، إلا أنه لم يتم طرحه للنقاش داخل مجلس النواب حتى الآن. ويعود ذلك في تقدير المشاركين.ـات في الجلسات إلى عوامل مختلفة سواء مرتبطة ببنية المجتمع بشكل عام وبالتبعية مرجعية المنظومة القائمة على وضع التشريع في مصر وهي بنية لا تضع ملف المساواة بين الجنسين على أولوية أجندتها وبالتالي ملف العنف ضد النساء على وجه الخصوص.
في المقابل، فإنه توجد فرص وعوامل مختلفة تعزز من فرص طرح مشروع القانون بشكل جدي داخل مجلس النواب، حيث تطوّرت ظاهرة العنف ضد النساء بصورة كبيرة وشاهدنا على مدار الشهور الماضية كيف تفاقمت وقائع العنف التي تستهدف النساء سواء بقتلهن في وضح النهار أو ابتزازهن وتهديدهن والتشهير بهن، فأصبحن النساء مطاردات ما بين المجال العام والخاص وكذلك الواقع الافتراضي. بالإضافة إلى ذلك، فإن الدولة بمؤسساتها وممثليها كانت لها تصريحات وتحركات رسمية وواضحة في هذا الشأن، وذلك من خلال الاستراتيجيات الوطنية الثلاثة المعنيّة بوضع النساء في ملف العنف وتزويج القاصرات ومكافحة ختان الإناث. بالإضافة إلى ذلك، فمن المهم أن نراكم على الطرح الخاص بإصدار قانون بشأن مفوضية مكافحة أشكال التمييز، لأنه لا يمكن الفصل ما بين التمييز والعنف وأنهما يحملان أفكار ودوافع مشتركة يتبناها المجتمع بحق أفراده.
ما العمل؟
في ضوء ما قدمته جلسات الحوار المجتمعي مع الأطراف المختلفة التي يستهدف مشروع “الحماية التشريعية لمواجهة العنف ضد النساء” العمل معها ومن ضمنها منظمات المجتمع المدني والمبادرات النسوية والأحزاب السياسية والإعلاميين.ـات، حاولنا وضع النقاط الرئيسية لخطة عمل مع هذه المجموعات على مدار العام الجاري، تستهدف خلق حوار مجتمعي حول ملف العنف ضد النساء وحشد الرأي العام نحو أهمية تقديم سياسات إجرائية عقابية ووقائية من شأنها مواجهة العنف ضد النساء. وتضمنت خطة التحرك الخاصة بنا ما يلي:
تدعو مؤسسة المرأة الجديدة، تزامنًا مع احتفالات اليوم العالمي والوطني للمرأة، كل الأطراف المختلفة سواء في مجموعات وتنظيمات أو مستقلة إلى الانضمام إلينا والعمل سويًا نحو مزيد من سُبُل تعزيز الحماية التشريعية لمجتمعات آمنة للنساء.