كتبت: نولة درويش
البديل
تلح باستمرار الحاجة إلى تطور حركات اجتماعية متبلورة حول مطالب محددة، تتبنى شعارات مجمعة لأعداد مهمة من المواطنين، سواء أولئك المنتظمين أصلا في منظمات، أو الأفراد الذين يؤمنون بأهمية التغيير، بحيث يتحركون في اتجاه واضح من أجل تحقيق الأهداف التي قاموا من أجلها؛ دون ذلك، سيظل الأمر محصورا في هبّات احتجاجية مفتتة تنتهي دورة حياتها مع سد بعض الثغرات الجزئية الصغيرة، كما ستستمر تلك الهبّات ذات طابع فئوي صرف عاجز عن إحداث التحولات الجذرية التي نحتاج إليها.
هذا الأمر ينطبق بشكل خاص على القضايا النسائية التي ما زالت تُطرح من خلال جهود مشتتة هنا وهناك، وتتطلب بذل جهد إرادي من أجل وضع أجندة تتضمن الحد الأدنى المتفق عليه فيما بين الأطراف المختلفة. لقد ظهرت على مر السنوات الأخيرة عديد من المنظمات التي تتبنى بشكل أو بآخر قضايا النساء، كما برزت أصوات لأفراد من الذكور والإناث يطالبون بالمساواة بين الجنسين؛ ولكن ـ كما هو الحال بالنسبة لقضايا أخرى ـ تظل هذه المبادرات مفتقدة للقوة الدافعة إلى الأمام التي يكفلها لها العمل الجماعي.
ومن ناحية أخرى، لم يتبن حتى الآن كثير من القوى السياسية والفكرية تلك القضايا بشكل كامل ـ سواء لعدم قناعتها بها، أو خضوعا لابتزاز ثقافي ومجتمعي ـ بما يساهم في خلق تغير في الذهنيات والثقافة الاجتماعية السائدة، والتي تنكر في أحسن الأحوال وجود مظاهر عدم المساواة والتمييز ضد النساء، إن لم تكن تطالب أصلا بمزيد من الإقصاء لهن.
وفي رأيي المتواضع أن إدراج حقوق النساء ضمن أولويات جميع من يجتهدون من أجل النهوض بالوطن سوف يكون له مردود إيجابي لا يقتصر على أوضاع النساء فحسب، وإنما يمتد إلى تعميق الرؤية التضمينية التي ننادي بها جميعا.
من هذا المنطلق، سوف تبرز على السطح أصوات لفئات مهمشة لم يكن لها من قبل مكان ولا حيز للتعبير عن نفسها وعن احتياجاتها وتطلعاتها، على الرغم من أن هذه الاحتياجات ترتبط ارتباطا وثيقا بتحقيق الديمقراطية بأوسع معانيها، أي: المساواة في الفرص، وتعدد الخيارات والبدائل، والقدرة في الحصول علي المعرفة والموارد، والمشاركة في اتخاذ القرار، وحرية التعبير والتحكم في النفس، والتمتع بالسلامة والأمان والكرامة، إلى جانب المعاني المعروفة تقليديا لكلمة الديمقراطية.
ومن هنا، يمكن التفكير في أهمية العمل على مستويين من الجهود. يتعلق المستوى الأول بالسعي إلى تجميع أكبر قدر ممكن من القوى الساعية إلى النهوض بأوضاع النساء، خاصة تلك التي تستند إلى قواعد جماهيرية فعلية، لتحديد نقاط الالتقاء التي تمكننا من صياغة مبادرات متكاملة قادرة على إحداث التراكم المطلوب.
أما المستوى الثاني، فهو خاص بوضع الأسس والمعايير التي ينبغي وضعها من أجل إقامة التحالفات التي يمكن بناؤها مع القوى الديمقراطية الأخرى، بحيث تضع بوضوح ضمن أولوياتها الدفاع عن مصالح النساء، وتتبني الشعار القائل بأن حقوق النساء جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان.