كتب جابر عصفور
عن: الشروق
أتصور أن أولى علامات التغير الجذرى الذى أحدثته ثورة 1919 فى بنية الوعى الاجتماعى تقترن بالموقف من المرأة، سواء كنا نتحدث عن تصوراتها لذاتها أو تصورات المجتمع عنها ولا أدل على ذلك من المقارنة بين مشهدين حدث الأول منهما فى الحادى والثلاثين من مارس سنة 1914، وحدث الثانى فى اليوم العشرين من مارس 1919.
أما المشهد الأول فكان يوم الاحتفال بوضع الخديو عباس حلمى الثانى حجر الأساس للجامعة المصرية وما كان يمكن الاحتفال بهذا اليوم لولا كرم عمة الخديو الأميرة فاطمة بنت إسماعيل التى تبرعت بالأرض والمال، ونفقات حفل الافتتاح وطبع الدعوات والإعلان فى الجرائد وغير ذلك من النثريات وكان ذلك بعد أن أوقفت الأميرة مئات الأفدنة للإنفاق على الجامعة الوليدة التى لم تتردد فى التبرع لها بمجوهراتها الخاصة، كى يتحقق لمصر حلم وجود جامعة مدنية حديثة، أسوة بدول العالم المتقدم لكن هذه الأميرة التى ظللنا نطلق اسمها على كلية الآداب جامعة القاهرة لعقود طويلة، لم تستطع مغادرة قصرها لحضور حفل وضع حجر أساس الجامعة التى ما كان يوضع لها حجر أساس لولا عطاؤها الأكثر من كريم، فظلت حبيسة قصرها، وأنابت عنها ولديها اللذين حضرا الحفل.
أما المشهد الثانى فهو المشهد الذى تتصدره هدى هانم شعراوى (زوجة على شعراوى باشا، ثالث الثلاثة الذين قابلوا المندوب السامى، مطالبين باستقلال وطنهم، يوم 13 نوفمبر 1918) فى صباح العشرين من مارس وكان ذلك فى سياق الاحتجاج على القبض على سعد زغلول باشا ومحمد محمود باشا وحمد الباسل باشا وإسماعيل صدقى باشا، ونفيهم إلى جزيرة مالطة ومن حسن الحظ أن الإنجليز لم يقبضوا على شعراوى (1879 ــ1947) باشا الذى تولى أمور الوفد، وقاد عمليات الثورة، احتجاجا على نفى الزعماء وكانت النتيجة انفجار المظاهرات فى كل مكان بالأرض المصرية.
وخرجت النساء المصريات فى مظاهرات لم يشهدها التاريخ المصرى من قبل وكانت تقود المظاهرة الأولى هدى شعراوى التى لم تكن أقل شجاعة أو وطنية من زوجها ورفاقه ومضت المظاهرة إلى أن تصدى لها الإنجليز، ولم تخف هدى شعراوى، بل ظلت تتقدم، وكان يواجهها جندى إنجليزى، يجلس القرفصاء، وما أسرع ما صوّب البندقية نحو صدرها فتقدمت نحوه، قائلة بصوت عال لإحدى زميلاتها التى حاولت منعها من التقدم دعينى أتقدم، ليكون لمصر اليوم مس كافيل فما كاد الجندى يسمع هذا الاسم حتى خجل، ونهض متقهقرا على الفور وكانت مظاهرة هدى شعراوى هى الأولى التى سرعان ما لحقتها غيرها من مظاهرات النساء التى انتقلت من الطبقة الأرستقراطية إلى شرائح الطبقة الوسطى، ومنها إلى نساء الطبقة العاملة التى سقط منهن شهيدات الثورة اللائى كتبن رغبة تحررهن، ضمن تحرر وطنهن، بدمائهن الذكية.
وما أبعد الفارق، عندما ننظر إلى المشهدين اليوم، بين الأميرة التى ظلت محجوبة فى قصرها، لا تسمح لها التقاليد بحضور حفل وضع حجر أساس الجامعة التى هى صاحبة الفضل الأول عليها، وهدى شعراوى التى قادت زميلاتها فى الطرقات، مواجهات القوة العسكرية للاحتلال البريطانى، ضاربات المثل لغيرهن من اللائى خرجن إلى الطرقات سافرات الوجوه، جنبا إلى جنب الرجال، بعد أن أطاحت إرادة التحرر بكل قيود التقاليد التى أصبحت بالية، متراجعة تحت ضغط إرادة تحرر المرأة التى وصلت الداخل بالخارج، فى فعل التمرد النسائى الخلاق الذى كان بداية الوجود الحر للمرأة المصرية.
وكان من الطبيعى أن تلتقط مظاهرة النساء الأولى عينا شاعر ونحات، جمع بينهما تأجج الشعور الوطنى نفسه أما الأول فهو الشاعر حافظ إبراهيم (1872ــ 1932) الذى كان يراقب النساء فى مظاهرتهن الأولى التى كانت حدثا فريدا، لم يسبق له مثيل فى التاريخ العربى ــ المصرى الذى يعرفه والثانى محمود مختار (1891ــ 1934) رائد النحت المصرى الحديث الذى سمع عن هذه المظاهرة وما تلاها، من خروج المرأة المصرية سافرة، متمردة، ثائرة، تملأ الطرقات بهتافاتها عن الحرية والاستقلال، وكان لابد أن يفجر المشهد الشعر فى الشاعر والنحت فى وعى النحات وكانت النتيجة أن كتب الأول قصيدته التى يقول فيها
خَرَجَ الغوانى يحتججـن ورحت أرقب جمعهنــــــــه
فإذا بهن تخذن مـــــــن سود الثياب شعارهنــــــــه
وأخذن يجتزن الطــــريـ ـقَ، ودار سعد قصدهنـــــه
يمشين فى كنف الوقــار وقد أبَنَّ شعورهنــــــــــــــه
وإذا بجيش مقبـــــــــــل والخيلُ مطلقة الأعنـــــــــــه
وإذا الجنود سيوفُهــــــا قد صُوّبتْ لنحورهنـــــــــــه
وإذا المدافع والبنـــــــاد قُ والصوارمُ والأسنــــــــــّه
والخيلُ والفرسانُ قـــــد ضَرَبَت نطاقا حولهــــــــــنه
والوردُ والريحانُ فــــــى ذاك النهار سلاحهنــــــــــه
فتطاحن الجيشانِ ســـا عاتٍ تشيب لها الأجنـــــــّه
فتضعضع النسوانُ والـ نسوانُ ليس لهن مُنـــــــــــَّهْ
ثم انهزمن مشتتـــــــــاتِ الشملِ نحو قصورهنـــــــه
والأبيات بالغة الدلالة فى انفعال شاعر النيل بالمشهد الذى أراد أن يرسمه بالكلمات، غير عابئ بتبعات نشر القصيدة التى تسابقت الصحف الوطنية على طبعها فى ذلك الزمن الجميل، رغم وطأة الأحكام العرفية المسلطة على الرقاب، فقد أدرك الجميع أنهم لا ينبغوا أن تكون شجاعتهم فى المواجهة أقل من شجاعة قائدة المظاهرة التى تصدت بصدرها، غير هيابة، لبندقية الجندى الإنجليزى الذى تراجع أمام شجاعة امرأة تطلب لوطنها الاستقلال، مستعدة لمواجهة الموت الزؤام، فاندفعت القوات البريطانية لتطويق المظاهرة، وتفريقها قبل أن تتفاقم عواقبها ولا تخفى على قارئ القصيدة نبرتها الساخرة التى تضع النساء العزلاوات فى مواجهة جند الاحتلال المدججين بأقوى العتاد ولذلك وصل صوتهن إلى كل الآفاق، فألهم طوائف المرأة المصرية، ودفعها إلى المزيد من مظاهرات الاحتجاج التى لم تتوقف، والتى وصل فيها تمرد المرأة المصرية إلى أن خلعت النقاب، وبدت سافرة الوجه، يعلو صوتها بشعارات الثورة، فى موازاة الرجل الذى تقبل، فى حماسة التمرد العام، تحطيم المرأة لقيود الحرملك والعادات القديمة، كى تولد من لهيب المظاهرات الوطنية امرأة جديدة، واصلت تحطيم القيود التى بدأت تحطيمها هدى شعراوى ورفيقاتها.
أما محمود مختار فقد بلغته أنباء ثورة المرأة المصرية، حيث كان يعمل فى باريس، وكان قد ذهب إليها فى العام السابق على قيام الثورة، فلما بلغته أخبارها اشتعلت حماسته الوطنية، وأخذ يفكر فى إقامة تمثال يعبر عن نهضة مصر، ولكنه اصطدم بالتناقض بين ثقافته الفرنسية المحافظة ووطنيته المصرية المتفجرة، فكانت فكرته الأولى أن يصنع تمثالا لامرأة جميلة تمسك سيفا، كما لو كانت تهاجم به الإنجليز وتشبه «جان دارك»
الفرنسية، وأعجب أساتذته الفرنسيون بالفكرة ومشروع التمثال الذى بدأ تنفيذه، ولكن خياله الذى أهاجته الموجات المتصاعدة لتمرد المرأة المصرية دفعه إلى تحطيم مشروع تمثاله الذى رآه فرنسيا لا مصريا، فوضع تصميم تمثال نهضة مصر الذى استقر به الأمر،
أخيرا، أمام جامعة القاهرة، على مقربة من النصب التذكارى للشهداء من طلاب الجامعة وتجسدت رمزية نهضة مصر فيما يصل مجد الماضى الفرعونى القديم بتمرد الحاضر المتطلع إلى المستقبل وكانت النتيجة أن أخذت مصر شكل فتاة ريفية، لا تنفصل دلالتها عن الأرض الخصبة التى يزيد خصوبتها فيضان النيل المتكرر فى كل عام، كأنها مجلى من مجالى إيزيس محور أسطورة البعث المصرية
وتقف الفتاة معتمدة بيدها اليمنى على ماضيها المجيد ممثلا فى أبى الهول الذى يتخذ شكل أسد يهم بالنهوض، بينما ترفع بيدها اليسرى الحجاب لتكشف عن وجهها الذى أسقطت عنه النقاب مع كل ما يمثله من قيود الماضى الجامدة وسلاسله التى حطمتها ثورة المرأة ونهضتها ولذلك يتطلع وجه الفلاحة الرمز إلى الأعلى، حيث أفق المستقبل الواعد، تلفت الانتباه ملامحها المتناسقة التى تنطق جمالا لا يخلو من إرادة عنيدة،وإصرار على تحقيق الأمانى الخاصة بالمستقبل الذى يتطلع إليه وجه أبوالهول الذى ينظر، بدوره إلى الأعلى، فى موازاة اتجاه نظر المرأة إلى الأعلى فى مدى الوعى نفسه .
ولم يكن من قبيل المصادفة، والأمر كذلك، أن تحطّم المرأة المصرية الجديدة التى تعمدت بلهب الثورة ما بقى من القيود التى عاقت حركتها فى الماضى، فيصبح من حقها إكمال التعليم إلى نهاية المرحلة الثانوية، ولا يبقى بعد ذلك سوى دخول الجامعة المصرية التى سبق أن ألغت القسم النسائى، سنة 1910، نتيجة هجوم المجموعات المحافظة .
ولا تكاد تمضى سنوات معدودة على قيام ثورة 1919 إلا ويستغل أحمد لطفى السيد، رئيس الجامعة، تدافع الموجة التحررية للمجتمع، فيتفق، سرا، مع طه حسين وعلى إبراهيم باشا على قبول الطالبات اللائى أنهين الدراسة الثانوية دون إعلان، متعللين بأن القانون الأساسى فى الجامعة يبيح دخول المصريين، وهو وإن كان لفظا مذكرا، فإنه ينطبق على المصريين والمصريات وتسربت الفتيات إلى الجامعة حتى تكاثرت أعدادهن.
ولم يكن أمام أولى الأمر سوى تقبل الأمر الواقع وهكذا عرفت الجامعة الجيل الأول من الجامعيات الذى ضم نعيمة الأيوبى المحامية وسهير القلماوى وفاطمة خليل وزهيرة عبدالعزيز وفاطمة سالم وأمينة السعيد من الآداب، وكوكب حفنى ناصف وتوحيدة عبدالرحمن فى كلية الطب، ولطيفة النادى التى أصبحت المرأة الأولى فى ممارسة الطيران.
وعندما تزايد وجود الفتاة المصرية فى الجامعة، لم تستطع القوى المحافظة الاعتراض، فقد تغير الوعى الاجتماعى تغيرا جذريا، وجاوز المجتمع الذى مسه سحر ثورة 1919 أحلام قاسم أمين (1865ــ1908) الذى لم يتخيل إمكان دخول «المرأة الجديدة» الجامعة التى أسهم فى إنشائها، ومات قبل أشهر قليلة من افتتاحها، فإذا بثورة تحقق ما فاق آماله،
وتكون فتاة مثل سهير القلماوى (1911ــ1997) أولى الطالبات الملتحقات بكلية الآداب التى قبلت فى قسم اللغة العربية بها، سنة 1929، فكانت الفتاة الوحيدة بين أربعة عشر زميلا، ظلت تتفوق عليهم، إلى أن حصلت على درجة الليسانس عام 1933، ودرجة الماجستير 1937 ثم الدكتوراه عام 1941، فكانت أولى الحاصلات على هذه الدرجة فى العالم العربى كله وسبقت بذلك زميلتها عائشة عبدالرحمن ــ بنت الشاطئ (1912ــ 1998) التى حصلت على الليسانس عام 1939، والماجستير عام 1941، والدكتوراه عام 1950. وتحكى هدى شعراوى، فى مذكراتها، المزيد من تفاصيل دخول الفتيات إلى الجامعة، ما يؤكد الدلالة على تزايد الحضور النسائى فى الجامعة، وذلك إلى المدى الذى انتقل بالطالبات، مع تعاقب السنوات من مقاعد الدراسة إلى مقاعد التدريس، خصوصا بعد أن ذهبن فى بعثات جامعية، وعدن مبرزات فى كل مجال من مجالات التدريس الجامعى، شأنهن فى ذلك شأن الأساتذة من الرجال سواء بسواء، وذلك بفضل رعاية جيل الرائدات الذى انتسبت إليه رفيقة هدى شعراوى نبوية موسى التى تولت بالرعاية الخاصة سميرة موسى (1917ــ 1952)التى كانت العالمة المصرية الأولى فى علوم الذرة.
ولم يكن من المستحيل، فى هذا السياق، أن يتأسس الاتحاد النسائى للمرأة المصرية سنة 1923بقيادة هدى شعراوى، ويذهب وفد الاتحاد المصرى إلى روما للإسهام فى مؤتمر الاتحاد النسائى العالمى، ويحصل على عضويته، وتقرر عضوات الوفد السفور فى المؤتمر، وحاولن إقناع صفية زغلول حرم سعد زغلول بأن تفعل مثلهن، حين قابلن سعد زغلول على الباخرة، وكان عائدا من منفاه فى جزيرة سيشيل، منتصرا على الإنجليز، بإرادة الشعب الذى جعله زعيما للثورة التى لم تخمد جذوتها تماما إلا بعد توقيع معاهدة 1936 التى
أطلق عليها اسم معاهدة الشرف والاستقلال وما له دلالة، فى السياق نفسه، أن اشتراك هدى شعراوى ورفيقتيها، سيزا نبراوى (1897ــ1985) ونبوية موسى (1886ــ1951)، فى الاتحاد النسائى العالمى، كان فى السنة نفسها التى أكملت فيها النخبة السياسية التى أسهمت فى ثورة 1919 وضع دستور 1923 الذى جاء بسعد زغلول إلى الحكم بأغلبية ساحقة.
وكان من الطبيعى أن تدرك «المرأة الجديدة» أهمية دستور 1923 فى دعم حركتها الصاعدة، فتنفجر غضبا إذا اقتربت قوى معادية منه، محاولة تغييره أو تعطيله ولذلك لم يكن غريبا أن تتظاهر سيدات الوفد ضد حكومة إسماعيل صدقى المعادية للحريات، عندما قامت هذه الحكومة بإلغاء دستور 1923، ووضعت بدلا منه دستور 1930 الذى سرعان ما أسقطه النضال الوطنى الذى أصبح دور «المرأة الجديدة» دافعا أساسيا من دوافعه التحررية التى لم تتوقف
وكان ذلك إرهاصا بظهور جيل جديد من المناضلات، فى سبيل تأكيد حضور المرأة الجديدة، واستمرارها فى مواجهة متغيرات عالم الحرب العالمية الثانية (1939ــ1945) وأبرز ممثلات هذا الجيل درية شفيق (1908ــ1965) التى مضت من حيث انتهت هدى شعراوى وسيزا نبراوى ونبوية موسى، فأنشأت مجلة «بنت النيل» التى كانت إضافة أكثر جذرية لمجلة المرأة الجديدة» التى كانت تصدرها الأميرة شويكار، وأسست حركة التحرر الكامل للمرأة المصرية التى لازمت «اتحاد بنت النيل» واقتحمت البرلمان المصرى مع 1500 امرأة، فى فبراير 1951، لإجبار المجلس ورئيسه على النظر الجاد فى منح المرأة حق الانتخاب والترشيح للبرلمان ولم تتردد فى إعداد فرقة شبه عسكرية من النساء المصريات لمقاومة الجيش البريطانى فى قناة السويس وتدريب ممرضات سيدات وقادت مظاهرة، فى يناير 1951، دعت إلى مقاطعة بنك باركليز البريطانى فى القاهرة وطالبت بتحويل اتحاد بنت النيل إلى حزب سياسى بعد ثورة يوليو 1952 وقادت حملة احتجاج مؤثرة ضد عدم وجود تمثيل للمرأة فى اللجنة التى تولّت إعداد دستور 1954، ولم تهدأ إلا بعد أن وعدها الرئيس محمد نجيب بتحقيق مطلب منح المرأة حق التصويت والترشيح فى الانتخابات وكان ذلك بعد أن أضربت ورفيقاتها عن الطعام لمدة عشرة أيام وظلت تصدر مجلة المرأة الجديدة ومجلة بنت النيل لكن كان عليها أن تدفع غاليا ثمن معارضتها للسياسات الناصرية، فتفرض عليها الإقامة الجبرية فى منزلها، وتعانى مرارة العزلة القسرية والتجاهل والتعتيم والنكران، إلى أن ينتهى بها الاكتئاب إلى الموت أو الانتحار؟ سنة
1975. وكان ذلك لأنها لم تعرف فنون المناورة التى ضمنت للسيدة فاطمة اليوسف (1897ــ1958) بقاء مجلتها السياسية «روزاليوسف» والاجتماعية «صباح الخير» اللتين ظلتا منبرا لصوت الجيل النسائى الأحدث الذى برزت من رائداته، لطيفة الزيات (1923ــ1996) التى لعبت دورا قياديا، بعد انتخابها، سكرتيرا عاما للجنة الوطنية للطلبة والعمال سنة 1946، وكانت لاتزال طالبة، فى الأربعينيات المشتعلة بالتمرد الطلابى على الاحتلال، وسقوط شهداء الجامعة الذين لاتزال أسماؤهم بارزة على قاعدة النصب التذكارى المقام لتخليد ذكراهم فى مواجهة المدخل الرئيسى لجامعة القاهرة وأضيف إلى لطيفة الزيات اسم إنجى أفلاطون (1924ــ1989) صاحبة كتابى «80 مليون امرأة معنا» من إصدار الجمعية النسائية الوطنية و«نحن النساء المصريات» وهى الرسامة الشهيرة التى دخلت السجن أكثر من مرة لمواقفها السياسية التقدمية، شأنها فى ذلك شأن لطيفة الزيات التى تكبرها بعام واحد، وكان ذلك فى مدى التفاعلات المتعاقبة لآثار ثورة 1919 التى ظلت تتراكم، وتنتج ناشطات اجتماعيات، ابتداء من إستر ويصا واصف (1895ــ1990) رفيقة هدى شعراوى التى أسست جمعية «العمل من أجل مصر»، مرورا بصحفيات من طراز منيرة ثابت (1906ــ1967) التى كانت أولى المحاميات فى المحاكم المختلطة، سابقة المحامية الشهيرة مفيدة عبدالرحمن (1914ــ2002) وأضيف إلى منيرة ثابت التى رأست تحرير مجلة «الأمل» أمينة السعيد (1914ــ1995) التى رأست تحرير «حواء» ثم المصور» وكانت الرئيسة الأولى لمؤسسة صحيفة كبرى، هى دار الهلال، فضلا عن رائدات للمسرح والسينما والغناء، ابتداء من فاطمة اليوسف نفسها، مرورا بفاطمة رشدى (1908ــ1996) وعزيزة أمير (1901ــ1952) التى أنتجت أول فيلم روائى صامت، ولعبت دورا
بالغ الأهمية فى صناعة السينما المصرية، فضلا عن رائدة التمثيل المسرحى والسينمائى أمينة رزق (1910ــ2003) وخير ختام كوكب الشرق أم كلثوم (1898ــ1975) التى كانت النقيبة الأولى للموسيقيين فى تاريخها الفنى والوطنى العظيم الذى كان إضافة استثنائية لنساء ثورة 1919 اللائى مضين، جسورات، فى طريق التمرد الطويل الذى بدأ من مظاهرة هدى شعراوى فى العشرين من مارس 1919، وتواصل عبرالثلاثينيات والأربعينيات، ولم يتوقف خلال الخمسينيات والستينيات بقوة الدفع القديمة، ولايزال باقيا رغم كل العقبات التى ابتدأت منذ السبعينيات الساداتية، خصوصا بعد أن تكاثرت دواعى التمرد على القديم الذى عاد ليطل بوجهه القبيح
1 Comment
مقالة أكثر من رائعة… شكراً للأستاذ جابر عصفور والموقع على المجهود الرائع 🙂