تصدر المرأة الجديدة هذه الورقة التحليلية في إطار التراكم على الجهود المستمرة للحركة النسوية من أجل تشريع قانون موحد وشامل لمناهضة العنف ضد النساء في مصر. وتتناول الورقة البحثية مشروع القانون الموحد في ضوء قراءة نقدية نسوية حسب السياق الاجتماعي والثقافي والسياسي الذي تعيشه النساء، خاصةً في ظل تصاعد أشكال العنف وتنوعها، من العنف الجسدي والعنف الجنسي إلى العنف الاقتصادي والرقمي وغيرها تحميه مظلة ثقافة مجتمعية أبوية راسخة تبرر جرائم العنف وتساهم في الإفلات من العقاب.
تبدأ الورقة باستعراض السياق الذي يدفع بضرورة تبني قانون موحد لمناهضة العنف ضد النساء، وهو ضرورة وضع مرجعية تشريعية متماسكة تسهم بشكل واضح في بناء انحياز بين لمرفق العدالة و منصة القضاء لمناهضة العنف، ووقف الإفلات من العقاب مستندا على قيم حقوقية ومدنية ونسوية راسخة تعزز من دولة القانون، وتعمق التجربة المصرية في تحقيق مبدأ المساواة النوعية وفقا للدستور والالتزامات الدولية.
وفي هذا السياق تعرض الورقة خلفية تاريخية الحركة النسوية المصرية من أجل تطوير المنظومة التشريعية لتمكين النساء من حقوقهن في الكرامة الانسانية من منظور نسوي ونوعي، والذي مر بمراحل عدة ساهم فيه الكثيرين، ومن بينها دعوة مؤسسة المرأة الجديدة لتأسيس قوة العمل لمناهضة التحرش الجنسي في أواخر التسعينات والتي ترجمت لاحقًا في دمج 6 بنود لتجريم التحرش الجنسي والتتبع والملاحقة بالغرامة والسجن، ، وصولًا إلى دعوة مؤسسة المرأة الجديدة في 2017 إلى تأسيس قوة عمل من المنظمات النسوية التي أصدرت لاحقًا مشروع القانون الموحد لمناهضة العنف ضد النساء يضم 54 مادة، تتناول مختلف أشكال العنف، بما فيها الاغتصاب الزوجي، الحق في الإجهاض الآمن، وتجريم جرائم الشرف، وتدابير الحماية مثل إنشاء ملاجئ للناجيات وأوامر الحماية القانونية.
وبالرغم من المحاولات المتكررة لتقديم مشروع القانون إلى مجلس النواب، عبر النائبات نادية هنري ونشوى الديب، لم تتم مناقشته جلسة عامة للبرلمان حتى الآن، وهو تعثر كاشف عن العوائق سياسية وتشريعية التي تواجهها تشريعات الإنصاف والمساواة للنساء. وبرغم من ضعف ومماطلة الإرادة السياسية لإصدار قانون موحد لمناهضة العنف، رغم توافق اصداره مع الالتزامات الدستورية والدولية وأيضا خطة التنمية المستدامة، ولكننا أيضًا أن ننكر الهيمنة ذكوري المجتمعية والرسمية على نوافذ إصدار التشريع في مصر، حيث يتجاهل الديناميكيات الجندرية، ويختزل مفهوم العدالة في العقوبات السالبة للحرية، دون مراعاة البعد الوقائي والمجتمعي.
كما تطرح الورقة في تناولها للقانون الموحد لمناهضة العنف، ضرورات واجب تضمينها تأتي من واقع النساء وتجاربهن المباشرة كناجيات من العنف، فيما نأمل أن يكون يسهم مسارنا التراكم حول هذا القانون في الوصول الي قانونًا نسوي تقاطعيً يسعى إلى اشتمال النساء من خلفيات مختلفة، حيث لا يكتفي بتجريم العنف، بل يسعى إلى تغيير البنية التي تسمح به تدعمه، وذلك من خلال إلزام المؤسسات الرسمية، مثل وزارات الصحة والتعليم والشرطة، باتخاذ تدابير واضحة للوقاية والحماية والتأهيل.
كما تسلط الورقة الضوء أيضا على تحليلها للسياق المصري خلال السنوات الأخيرة، والتى شهدت تصاعد معدلات العنف بشكل لافت، وظهور أنماط من العنف مختلفة أكثر تعقيدًا أو عنفًا ووحشية تصل إلى الدفع إلى الانتحار والقتل الأدائي، كما في حالات نيرة أشرف وسلمى بهجت. وتستعرض حالات أخرى من العنف الرقمي الذي أدى إلى انتحار فتيات مثل بسنت وهايدي، نتيجة الابتزاز الإلكتروني والخوف من الوصم المجتمعي، خاصة في المناطق الريفية حيث يكون الإبلاغ أكثر صعوبة.
ويكشف هذا العنف المركب، المدعوم ثقافيًا وقانونيًا، عن غياب الحماية القانونية للنساء، وضرورة تبني قانون يضع الناجيات في أولوية منظومة العدالة الجنائية وليس على هامشها. كذلك، تطرّقت الورقة إلى السياق الإقليمي على مستوى دول المنطقة العربية وبعض دول الجنوب العالمي.
وتأتي هذه الورقة كأحد مخرجات اللقاء الذي دعت إليه مؤسسة المرأة الجديدة عدد من المنظمات النسوية والنسويات المتنوعات في أبريل 2024، بطرح تصورات حول مخرجات وتوصيات لتطوير مشروع القانون، واستئناف مسيرة متراكمة للحركة النسوية حول القانون الموحد لمناهضة العنف.
وتتناول مفهوم العدالة من منظور نسوي، بما لا يقتصر فقط على العقاب، بل تعني أيضًا الاعتراف بمعانة النساء، وتقديم الدعم القانوني، والنفسي، والاجتماعي لهن، وتغيير الثقافة التي تبرر العنف وتلوم الناجيات.
ولهذا تقترح الورقة أن يكون القانون الموحد إطارًا تحويليًا يعيد التفكير في العلاقة بين النساء والقانون، ويخلق مساحات للحماية ودعم وتعزيز النساء في الوصول إلى حقوقهن.
ختامًا، لا تتعاطى الورقة مع التشريع بأنه مجرد نصوص قانونية، بل أداة هامة لتغيير الواقع الاجتماعي، وصوتًا جماعيًا نسويًا يطالب بأن تكون حيوات النساء أولوية المجتمع ومؤسسات الدولة. وبالتبعية، فإن القانون ليس رفاهية أو مطلبًا نخوبيًا، بل استحقاق إنساني أساسي لضمان كرامة وحقوق وأمان النساء في مصر.
كما تؤكد الورقة على ضرورة إصدار قانون يضع الناجيات في جوهر فلسفة العدالة والإنصاف، ويعيد رسم العلاقة بين النساء ومؤسسات الدولة، وخاصة نوافذ العدالة الجنائية، بأن تكون قائمة على الحماية والمساواة والكرامة.
وتدعو مؤسسة المرأة الجديدة القطاعات الواسعة المعنية بدور المنظومة التشريعية في مناهضة العنف ضد النساء، ومن ضمنها الأحزاب السياسية والمنظمات النسوية وأعضاء مجلس النواب، إلى فتح نوافذ متنوعة للحوار حول مشروع القانون الموحد من حيث التفكير في فرص العمل للدفع به وتبنيه من قبل مجلس النواب، وكذلك ضرورة مراعاة القانون الموحد للمبادئ النسوية والحقوقية التي انطلقت منها هذه الدراسة بما يضمن فعاليته في تحقيق العدالة الجندرية وحماية النساء من العنف.
Powered By EmbedPress