يؤثر ارتفاع الرسوم القضائية على فرص نفاذ النساء إلى العدالة، خاصة الفئات الأكثر هشاشة وعرضة للفقر، وتتناول هذه الورقة عرض مقارن مبسط يكشف معدلات ارتفاع الرسوم القضائية في أكثر القضايا تماسًا أوضاع النساء في المجال الخاص سواء كانت قضايا أحوال شخصية أو قضايا عنف ضد المرأة.
وبرغم تنوع أشكال الرسوم القضائية ما بين رسوم مباشرة وأخرى غير مباشرة إلا أن ارتفاع التكلفة قد طال كل أشكالها إضافة إلى ارتفاع رسوم الإجراءات والخدمات القضائية، ويمكن القول إن الخدمات المميكنة أو الرقمنة ساهمت فى ارتفاع تكاليف التقاضي على أعباء النساء بشكل كبير تكاد تصل نسبته إلى اضعاف ما قبل الميكنة، ناهيك عن تفاوت النساء في القدرة للنفاذ للخدمات المميكنة، وبسبب الرقمنة أيضًا أصبحت الرسوم غير ثابته ولا مستقرة تختلف من محكمة لأخرى بحسب قرارات رئيس المحكمة وبهذا تصبح خدمات العدالة لا تعتمد على المقدرة الاقتصادية للنساء فقط وانما تخضع للنطاق الجغرافي للنساء أيضًا، بما أسهم في تحويل الرقمنة من أداة لتيسير الخدمات إلى أداة لتزايد العبء على النساء.
كما أن المنظومة القانونية فى مصر تتجاهل تمام النص القانوني الخاص بالإعفاء من الرسوم القضائية لغير القادرين والذي تم النص عليه فى المادة 13 من قانون الرسوم القضائية رقم 90 لسنة 1944 وتعديلاته وهو ما يعرف باسم (الإعفاء من الرسوم القضائية لعديمي الأهلية أو الفقراء) والذي ينص على أنه ” يعفى من الرسوم القضائية كلها أو بعضها من يثبت عجزه عن دفعها بقرار من المحكمة المختصة بناء على طلب يقدم إليها وتفصل فيه المحكمة.
وتتطلب عملية الإعفاء من الرسوم إجراءات معقدة وغالبا ما يتعثر المواطنين من الجنسين في الحصول على الإعفاء كالحصول على شهادة فقر تصدر عن وزارة التضامن الاجتماعي، إضافة إلى بطاقة تموين، وطلب إلى محكمة مختصة لإصدار حكم بعدم القدرة وتثبت حالة الفقر والذي تفتقد المحكمة وضع مؤشرات واضحة، وهي في جميعها إجراءات منهكة ومكلفة اقتصاديا للنساء.
في دعاوى النفقات مثلًا في عام 2016 حتى عام 2018 كانت معفاة من الرسوم القضائية الأساسية فيما عدا رسوم الماسح الضوئي وضريبة المحاماة دمغة المحاماة والتي كانت تقدر بحوالى 40 الى 50 جنيها، أما الآن فيمكن أن تصل الى حوالي 136 جنيها، وفى دعاوى اخرى مثل التطليق او الخلع فان الرسوم قد تصل الى حوالي 300 جنيه بخلاف امانه الحكمين والتى ارتفعت الى 350 جنيها بعدما كانت تتراوح من 150 إلى 200 جنيها.
كما ارتفعت رسوم دعاوى الاستئناف في الأسرة من حوالي 200 جنيها الى حوالي 400 الى 800 جنيها، وتحسب رسوم دعاوى الاستئناف بحسب عدد ورق العريضة ذاته وليس بإجمالي أو نوع القضية، وتتنوع الرسوم إلى رسوم نسبية وثابتة يضم لها رسم إضافي، ضريبة، وضريبة مضافة، ورسم أتعاب محاماة، وحاسب آلي، وهي رسوم متعددة ترفع التكلفة دون مبرر جاد لها.
تتجلى هذه الزيادة الكبيرة أيضًا في قضايا العنف التي تنظر في المحكمة الاقتصادية مثل التشهير والابتزاز الالكتروني وغيرها حيث ترتفع رسوم تصوير المحاضر وكذلك رسوم الاطلاع ومراجعة الحوافظ والأوراق المؤمنة بدرجة كبيرة حيث تتراوح أسعار الورقة المؤمنة الواحدة أحيانا من 20 إلى 30 جنيها للورقة الواحدة وتختلف باختلاف المحاكم.
أما رسوم الحصول على أحكام فقد ارتفعت من 3 الى خمس جنيهات لكل ورقة من ورق الحكم في قضايا الأحوال الشخصية في قضايا العنف مثل الضرب، والجنحة المباشرة والتي ارتفعت من ارتفعت من حوالي 136 جنيها للجنحة المباشرة إلى حوالي 250 إلى 300 جنيها.
فيما يلي ذلك من أعوام فانه تم استحداث ما يسمى بنماذج مؤمنه وخدمات مميكنة، فأصبح للاستعلام عنها رسوم بعدما كان مجانيا، ويقدر الاستعلام عن القضايا برسم 57 جنيها للمرة الواحدة، وكذلك رسوم تصوير المستندات تتراوح ما بين 75 الى 150 جنيها، وكذلك الحصول على تحرى الدخل كانت مجانا ثم أصبح يدفع له رسم تصريح حوالي 57 جنيها أيضا بخلاف الحصول على أحكام أخرى للاستشهاد بها أو الحصول على شهادة من واقع الجدول وبخلاف الإعلانات كل هذا يجعل الدعوى ليست مجانية الرسوم كما ينص القانون في دعاوى النفقات.
تنوعت وتعددت الرسوم الغير مباشرة ما بين رسوم وثائق أو نماذج مؤمنه ورسوم استعلام ورسوم استخراج و تم استحداث ما يسمى نموذج مؤمن أو مميكن وليس ورق أبيض عادي مثل السابق مما جعل سعر الورقة يتراوح ما بين 3 الى خمس جنيهات فى قضايا النفقات أما بالنسبة لقضايا العنف فانه لا يوجد رسم ثابت للورق المميكن أو النماذج المؤمنه حيث يتراوح سعر الورقة من 20 إلى 25 باختلاف المحاكم وحسبما يقرر رئيس المحكمة ذلك.
تم استحداث إجراءات جديدة مثل إجراء استخراج محضر جلسة لعمل تصريح تحرى دخل يقدر محضر الجلسة هذا بحوالى 57 جنيها بعدما كان التصريح عن تحرى الدخل مجانيًا.
تم استحداث رسوم أخرى تزيد من أعباء النساء مثل رسم تطوير مرفق المحكمة والذي يقدر أحيانا ب حوالي 75 جنيها بخلاف الرسوم الأخرى على عريضة الدعوى.
المؤسف أن زيادة الرسوم في قضايا العنف وقضايا الأحوال الشخصية لا تحكمه قوانين أو معايير واضحة وثابتة خاصة أن تلك الزيادة تكون فيما يحيط بالقضية من إجراءات وليس في رسوم رفع القضية ذاتها مما يجعل العبء المادي والاقتصادي على النساء يقع عليهن ليس فى رسوم رفع الدعوى ذاتها وإنما في إجراءات الدعوى أثناء سيرها ونظرها.