نجوان سليمان
افتح كتاب الباب المفتوح، أبحث فى صفحاته عن ليلى التى أصبحت سجينة العبارات والكلمات والحروف ، أسئلة بلا إجابة .. أين ليلى ؟ هل مازالت تحيا فى أعماقى ؟ هل مازالت تناضل من أجل الخروج إلى هذا العالم ؟ هل هى على قيد الحياة أم ماتت خلال صراعها من أجل الحياة؟
أتامل صورة ليلى المعلقة على الحائط، يرتسم على وجها ابتسامة عريضة ، أقارن ما بين صورتها و صورتى، أشعر بضائلتى بالمقارنة بـ “ليلى”. كانت ليلى أكثر قوة وتحدى منى، ناضلت من أجل حريتها كأمراة وكرامتها كأنسانة .. أما أنا فقد اصبحت استجدئ حقوقى كأمراة واتوسل وأبكى .. أنا الأبنة والزوجة والأم لهذا المجتمع الأبوى .. أحاول أن أتذكر ليلى ..خلال عملية البحث فى أشلاء وبقايا الماضى، أدرك أننى قد تربيت على كراهية ليلى .. قال لى الأب المقدس أن أختى الكبرى أصبحت عاهرة وفاجرة بعدما درست علوم وأداب الكفرة واحتل الشيطان جسدها وأوعز لها أنها أنسانة مساوية للرجل فى الحقوق والواجبات .. أقسم للأب المقدس أننى لن أحذو حذوها .. لن أسير على دربها.. وتطوعت للأنضمام إلى فريق المشجعات .. أصفق للكلمات وعبارات الأب المقدس .. تطوعت لضرب ليلى بالأحجار كلما حاولت الأقتراب من عقلى ووجدانى ساعدت الأب المقدس على صلب ليلى عقابا على تمردها على تقاليد القبيلة.. لسنوات لم أعد أتذكر ليلى ولم تخطر على بالى ..
ولكن نسى الأب المقدس الباب المفتوح على ارفف الكتب المتربة، لم يمزقه أو يحرقه .. أستمر هذا الكتاب لسنوات مركون على الرف .. فى لحظة من لحظات الملل، فتحت الباب وخرجت ليلى إلى عالمى .. كانت ذاكرتى مطموسة .. تحسست يداى ملامح وجها ، لايزال بريق التحدى موجوداَ فى عينها .. حينما ابتسمت ابتسامتها العذبة تذكرتها .. أنها أختى ليلى .. خرساء بكماء ولكنها تستخدم لغة العيون .. كانت ملهوفة لمعرفة أحوالى.. حكيت لها عن معركتى مع الأب المقدس.. لقد سمح لى بأن أظهر وجهى ولكننى تمرددت على أرائه التقدمية ومازالت أناضل من أجل السماح لى بتغطية جسدى ووجهى وطمس أى شئ يبرز أنوثتى.. لن أكون مثل أبنة العم عالية التى اكتفت بتغطية شعرها ولكنها مازالت ترتدى الملابس المستوردة من ما وراء البحار..
ليلى ، هل أحكى لكى عن عشاقى .. أحببت دستة من الرجال .. مملون وأغبياء .. اقنعت كل واحد منهم أنه هو رجلى وحبى الأول والأخير .. جميعهم قد صدقوا أكاذيبى ..
ليلى ، عادت جيوش الرومان إلى اراضيها.. ولدت على الأرض المحررة .. لم يعد فى أوطاننا استعمار ولا مقاومة .. بلاد العرب محررة من جيوش الرومان ولكن بضائع وشعوب الرومان تملئ شوارعنا .. هم حلفائنا الأوفياء .. كثيرا ما يهبوا لنجدتنا، حينما يتصارع أبناء الأب المقدس على عروش الأوهام..
ليلى، أصدر الأب المقدس فرمان.. لقد وهب أجساد الساحرات للأبناء .. لا توجد علامات مميزة للساحرات ولكنهن يتخفين فى ملابس النساء سواء كانت مستوردة من وراء البحار أو من بلاد الشمس المشرقة .. أكثرهن لا يرتدين غطاء الرأس وأوقات كثيرة يتخفين أيضا فى ملابس الحرائر.. يتحرش عشرات الألاف من الأبناء بالساحرات .. هذا العام اخترقت أنياب الأبناء أجساد ما يقارب 20 ألف ساحرة، لم يكترث الأب المقدس كثيرا لشكاوى الساحرات العاهرات الفاجرات..
ليلى ، منذ أشهر أو ربما سنوات تمكنت أحدى الساحرات من زج أحد الأبناء داخل غيبات السجون، حينما حول نبش انيابه فى جسدها .. قال الأب المقدس ساعتها .. لقد ولدت ليلى أخرى .. أمر الجوارى برفع نعلهن فى وجه الساحرة .. لم تسكت الساحرة ولكن الجوارى قطعن ألسنة الساحرات الأخريات ..
ليلى ، لم يعد الأب المقدس يحرق الكتب .. طالما أن الجوارى والغلمان لا يعرفون القراءة والكتابة.. ونادرا ما تتمرد أحد الجوارى أوتحاول القراءة أو التفكير .. مصيرها محتوم .. لقد توج الأب المقدس نفسه كممثل للأدعاء والمحامى والقاضى داخل محاكم التفتيش .. جزائها أم الصلب أو القتل أو النفى فى الصحراء مع صعاليك القبيلة ..
صمتت ليلى المحبوسة فى طيات الكتاب … تأملت وجهى ، أساريرى وكلماتى .. كلمات بلا صوت ولكنها نجحت فى توصيلها إلى عقلى .. وددت لو صفعتنى أو على الأقل سكبت كوب من الماء البارد على رأسى .. مازالت أنا غارقة فى أحلام واساطير الأب المقدس.. ومازالت ليلى عاجزة عن الكلام ولكنى شعرت بمشاعرها وأفكارها .. لقد نجح الأب المقدس فى ترويض عقلى ووجدانى .. ربانى على تقاليد وعادات الجوارى والحريم ..
أحتضن يد ليلى.. أشد على يدها أتخيل أن طاقة خفية تنتقل من جسدها إلى جسدى .. تحاول إعادة روح التمرد فى قلبى .. أرغب فى سماع كلماتها ولكنها مازالت تعانى من الخرس والبكم .. أهز جسدها المدفون فى طيات الحروف .. ربما أهب لها القدرة على الكلام وتهب لى القدرة على التمرد