مدى مصر: عبر رحلتي الطويلة مع قوانين الأحوال الشخصية تغيرت كثيرًا على المستوى الشخصي والمهني عبر حكايات النساء المختلفة، التي تعكس مدى جبروت المشرع لقانون مجحف يساعد الدولة في التحكم والسيطرة على النساء عبر الرجال داخل منظومة الأسرة.
اكتشفت أن القانون يعطي للرجل حقوق مطلقة، ويضع النساء في مراكز قانونية غير متساوية. فالطلاق حق أصيل للرجل، من حقه أن يُطلِق وقتما يشاء دون أن يُسأل عن الأسباب، أما النساء فلابد أن تبرر لماذا تطلب الطلاق، بالإضافة للوصمة المجتمعية والضغط الأسري والمعاناة النفسية والمادية التي تتكبدها النساء لحين الحصول على حقوقهن. وتزيد هذه المعاناة أضعافًا مضاعفة للمرأة المسيحية لتحصل علي الطلاق، وفي حالة طلاقها من مسلم ينخفض سن حضانتها للأولاد والبنات من ١٥ سنة إلى ٦ سنوات لمجرد أنها مسيحية يُخشى على أطفالها من ديانتها. وكذلك معاناة النساء في سقوط حضانتهن لأولادهن لمجرد زواجهن مرة ثانية، مما يدفعهن للزواج بشكل غير رسمي، الأمر الذي يعرض حقوقهن للضياع.
ومن ناحية أخرى، قد نجد قوانين تحمي النساء، ولكن لايتم تطبيقها، مثل رفع سن الزواج إلى 18 سنة تطبيقًا لاتفاقية الطفل، ولكن لأن الخطاب الرسمي بكل مؤسساته المختلفة لم تتبن خطابًا داعمًا لهذا القانون، كانت النتيجة استمرار زواج الطفلات وإجبارهن على الإنجاب وترك التعليم. قابلت الكثير من الطفلات الأمهات اللاتي كرهن أطفالهن وأنفسهن نتيجة لهذا الإجبار. مررت بالكثير من الإخفاقات في حماية هؤلاء الفتيات، وتيقنت أن موضوع تغيير القوانين ما هو إلا أداة ضمن أدوات أخرى لا بد من توفيرها، فلا بد من خطة تعكس قيم هذه القوانين داخل المجتمع، وتعمل على إحلالها محل قيم اجتماعية وثقافية بالية تحصر قيمة النساء والفتيات في الزواج فقط.
هذه بعض النماذج التي اشتغلت عليها، وخضت معارك عنيفة من أجل تغيير قوانين الأحوال الشخصية للمسلمين والمسيحين، وتقديم مقترحات لقوانين جديدة، وفي ضوء ذلك فأنا فخورة بالتجربة التي خضناها مع سيولا (مؤسسة قضايا المرأة المصرية)، لأننا طرحنا أهمية تطوير الفقه الإسلامي والاحتياج إلى تفسيرات جديدة تعتمد على فقه الواقع أو فقه الحاجة أو فقه الأزمات. رغم أن هذه التجربة في بدياتها اصطدمت مع بعض الفقهاء والمؤسسات الدينية، التي رفضت المساس بآراء الفقهاء القدماء، وأيضًا بعض المنظمات النسوية التي رفضت ربط قضايا النساء بالآراء الدينية.
الحقيقة أن سيولا فتحت حوارًا قويًا حول مقاصد الشريعة الإسلامية، وإلى أي مدى انعكس هذا على قضايا النساء، وعلى تغيير القوانين وتبني استرتيجية تقضي على التمييز ضدهن، وخلق ثقافة مجتمعية تحمي وتعزز حقوق النساء.
خلال هذه الرحلة تأكد لي أن الدولة تتعامل مع ملف النساء بشكل غير جدي، فنجدها في خطابها الخارجي تدعي التزامها بتنفيذ مجموعة التوصيات التي صدرت بالأمم المتحدة في لجنة متابعة اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة (CEDAW) أثناء مناقشة تقريرها عام 2010، وكذلك التوصيات التي صدرت أمام المجلس الدولي لحقوق الإنسان (UPR) في 2014، وأغلب هذه التوصيات تخص القوانين التمييزية، ومنها قوانين الأحوال الشخصية للمسلمين والمسيحيين، كما ادعت الدولة إشراك الجمعيات والمنظمات النسوية والأئمة ورجال الدين والإعلام في عملية التغير.
وعلى النقيض تمامًا نجد الدولة داخليًا تسمح باستخدام خطاب إعلامي وخطاب ديني ينتقص ويحط من كرامة النساء، وأبقت علي فلسفتها التشريعية في الانتقاص من حقوق النساء، مع التزام الصمت تجاه من يدعي أن الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان وحقوق المرأة ليست جزءًا من الالتزامات القانونية للحكومة المصرية أو أنها لا تخالف الشريعة والثقافة والتقاليد، بل العكس أحيانًا، يتبنى الخطاب الرسمي لغة تساعد على بلبلة الرأي العام تجاه هذه الاتفاقيات، كما يتبنى خطاب كراهية وتشويه للمنظمات النسوية التي تحاول المطالبة بتنفيذ التزامات مصر دوليًا.
وكذلك نجد أن المؤسسات الدينية طوال الوقت ليس لديها الشجاعة أن تفتح ملف قوانين الأحوال الشخصية، ولا تقدم اجتهادات جديدة تتناسب مع احتياجات المجتمع، ولا تخوض معركة في تعزيز مقاصد الشريعة الإسلامية، فهي تكون أكثر شراسة وتشددًا مع ما يخص قضايا النساء، لأن الثمن فيها قليل إذا ما قورنت بقضايا سياسية أو اقتصادية مثل قضايا فوائد البنوك وغيرها، حيث يكون الثمن فيها أكبر.
عزة سليمان