مي صالح
منذ سنوات طويلة وانا احاول اقناع نفسى بان التاريخ القديم فقط هو ما يحمل فى طياته وقائع ودلالات ظلم وقهر النساء وان الواقع المعاش الان يعكس دلالات مختلفة ليست فيها زمانات الحرملك والسلاملك ولا سى السيد وامينة ، ولكننى الان لم اعد احتمل تصديق نفسى ولم اعد استطيع اجبارها على انكار كل هذه الشواهد من حولى والتى يصبح امامها وأد البنات نقطة فى بحر ولست بحاجة لان اسرد وقائع اغتيال النساء وقتلهن واغتصابهن ولا وقائع ممارسات العنف النفسى والجسدى بكافة اشكاله ضدهن ، كما اننى لست بصدد الحديث عن قرون طويلة من عزلتهن الاجتماعية وتهميشهن وعن التوجهات العمدية لقمعهن فى شتى المجالات وعلى كافة الاصعدة … هذا التراكم التاريخى الذى يغرقنى فى الهموم كلما تخيلت ان لا احد سوى النساء هن من يحملن فى صدورهن كل هذا التراث ويشعرن به وحدهن .
ولكن حينما تخرج تلك الشواهد عن نطاق ابواب المنازل المغلقة واسوار المؤسسات الابوية المرتفعة وتصبح مشاهد قتل النساء وتحقيرهن على مسمع ومراى الكبير والصغير واضحة جليا على صفحات الجرائد وشاشات التليفزيون فانه لم يعد يسعنى الصمت اذا ، فما ان نشن الحملة الشبابية ضد احد اعلانات المشروبات الغازية المشهورة ” شخصية البنت اخر حاجة تتكلم عنها …. استجل اشرب بيريل ” الذى يرسخ فكرة تسليع المراة واعتبارها جسدا ومشاعا حتى تخرج الينا سلسلة المسابقات الجديدة ” سرحان ونفيسة ” التى يشتكى فيها الزوج المسكين من فشله فى التخلص من زوجته المصونة –عفوا – ” الملعونة ” والمطلوب من المشاهدين ان يساعدوه فى معرفة الخطا الذى وقع فيه وتسبب فى فشل خطته لقتلها !!! والغريب انه لا احد يعلق او ينزعج من هذا العبث باقدار وحياة النساء بل نجتهد جميعا لحل الفزورة لعلنا نحصد الجوائز ونضحك كما نضحك يوميا على اسخف النكات الشعبية التى لا تتناول سوى خيانة الزوجات ونكد الزوجات وغباء الزوجات وحماقة الزوجات وطلبات الزوجات التى لا تنتهى فضلا عن كره الحماوات ” من النساء فقط بالطبع ” والسعى الدؤوب للتخلص منهن.
وما يثير دهشتى حقا اننا نضحك على كل هذا بينما نجلس باكين منفعلين بما يردده بعض الدعاة ” اوعفوا المدعين ” على القنوات الدينية المتخصصة فى تاييدهم لختان الاناث وتعدد الزوجات برغم كل ما كبله الله به من قيود ، ومناهضتهم لصوت النساء ولباس النساء وعمل النساء وفتنة النساء وفساد الامة الذى تقودنا اليه النساء ، وبعد كل هذا نخرج الى الشارع لنشترى الصحف الصفراء ” واعذرونى ان اسميتها صحفا “التى تاكل وتشرب على اجساد النساء تلك الصحف التى تفترش صفحاتها صور النساء العاريات وتتصدر اخبارها جرائم النساء وقتلهن لازواجهن وعشاقهن وحتى ابنائهن وفطرتهن المعهودة على الجريمة وعلى غواية الرجال اجمع فتدفعنا كل هذه الشواهد الى لعنهن بالنعات الشهيرة ” يا بنت ….. ويا ابن …… ” حتى يصبح امتهان النساء مضغة واغنية نعتاد ترديدها وسماعها يوميا بل نجتهد فى تبريرها ، فبعد كل هذا الا تتفقون معى ان “الوأد” كان اكثر رفقا بالنساء.