دوماً ما تدفع الثمن امرأة، هكذا قلنا فاتهمونا بالمبالغة، كررناها فمنحونا ظهورهم، قلنا إن أول من يدفع ثمن الثورات هن النساء، لم نكن نأت بجديد، تعلمناها ممن سبقونا، أو ممن سبقتنا بمعنى أصح
دوماً ما تدفع الثمن امرأة، هكذا قلنا فاتهمونا بالمبالغة، كررناها فمنحونا ظهورهم، قلنا إن أول من يدفع ثمن الثورات هن النساء، لم نكن نأت بجديد، تعلمناها
ممن سبقونا، أو ممن سبقتنا بمعنى أصح، وقرأناها فى كتب التاريخ غير المزورة، ورصدناها فى مجتمعاتٍ أُخرى، ما أشعل نار القلق لدينا مبكراً، لكن طبعاً ولأن لا حياة لمن تنادى، ضاعت كل الأصوات فى مهب الريح.
ربما أن بعض الحظ ترك مساحةً حيةً للقلق لدى نساء فى دول «الربيع العربى»، دفعتهن لإعلان تمسكهن بعدم التفريط فى حقوق النساء جنباً إلى جنب مع حقوق الوطن، فى مسيرةٍ بدأت بعنفوان ولن تنته قريباً، ونهايتها التى نحلم بها جميعاً أن تنتصر للحق وللحرية، ربما تكون ذاتها نهاية تأتى على أجساد النساء وأرواحهن، إلا من رحم ربى.
يقولون إن التاريخ يعيد نفسه، والحماقات أيضاً تكرر نفسها، ومراراً وتكراراً لن أمل ولن تمل غيرى الكثيرات، من التأكيد على أن النساء يدفعن الثمن مضاعفاً، بدأن بدفعه مبكراً منذ بدأت أحوال أوطاننا فى الانحدار، كانت النساء فى بلادى يتعرضن للتحرش كل يوم مراتٍ ومرات، والكل ينكر، والكل يهاجم المرأة إذا ساعدتها شجاعتها على إعلان تعرضها للتحرش.. أى ظُلمٍ هذا!، النساء فى بلادى يتولين إعالة أسرهن ولكن العرف يمنعهن من إعلان ذلك.. فأى ظلمٍ هذا؟!، النساء فى بلادى يتعرضن للتشهير بهن من مآذن المساجد فى أيام الجمع باعتبارهن سبب البلاء.. فأى ظُلمٍ هذا؟!، النساء فى بلادى يتهمن بأنهن السبب فى جرائم الاغتصاب ولا يحمل مرتكبوها الذنب.. فأى ظُلمٍ هذا؟!
النساء فى بلادى ينتهكن منذ أمدٍ بعيد، ولا أحد يكترث، لهن ولأن محاربة الظلم قدر النساء، لا تزال المعركة مستمرة، الانتهاكات الآن جهاراً نهاراً، لم تعد تجد ما تستتر خلفه، ولأن النساء أصبحن أكثر وعياً، ولأن الشابات صرن يمتلكن أدوات العصر الحديث، وجدت الشجاعة لديهن ما يساندها: إعلام تعددت أشكاله فصار أكثر تأثيراً وقدرةً على الوصول للناس، وبجسارة وضعن أصابعهن فى أعين المجتمع: إذا ما كان فى الأمر فضيحة فلنتشاركها إذن!.
شابات أسقطن ورقة التوت عن النخبة والعامة، بيدى لا بيد عمرو، أعلنت المغتصبة أنها مغتصبة، وضحية التحرش أنها ضحية للتحرش، فماذا بعد؟ لم تعد نظرات الاستهجان ولا الاتهامات المزيفة تخيف فتيات هذا الجيل، جيل عرفت بناته أن الدنيا أوسع من سهام الانتقاد، وأنه «ما حك جلدك مثل ظفرك»، فقررن أن يحمين أنفسهن بأنفسهن، أن يشكلن جبهةً رائعة وإن كانت غير مقصودة للدفاع عن حقوقهن، وعن أحقيتهن فى العيش بآدمية لا يشوبها كونهن وُلِدن إناثاً، أى مستقبل ينتظر مجتمعا تتحلى نساؤه بهكذا شجاعة!.
شجاعة كل نساء «الربيع العربى» لا تقل عن شجاعة بنات بلدى، يدفعن الأثمان مضاعفة، يُطرَد الرجل من وطنه، وتُطرَد المرأة من وطنها وآدميتها، حين يباع جسدها، باسم «زواجٍ» أبعد ما يكون عن معنى الزواج وشكله، أشعر بالخجل يقتلنى ألف مرة، حين أسمع الحكايات عن الشابات السوريات المتاحات للزواج عند المساجد، فى البداية تصورتها شائعة لا أكثر، خاصةً حين أرى زوجاً يهدد زوجته بأن بإمكانه الزواج بسورية بخمسمائة جنيه لا أكثر!، حين أرى الرجال يتغزلون فى جمال السوريات ويشكرون الظروف التى بعثت بهن إلى بلادنا!، ولأن الواقع أقسى من الساسة حين يطمعون فى منصب، لم يكن الموضوع شائعة، واتضح أن فى بلادنا من يستغلون ظروف اللاجئات السوريات، للزواج منهن بلا أى حقوق ولا التزام تجاههن، يطمعون فى المتعة، ولا يخافون الله.
النساء تدفع الثمن مضاعفاً، النساء تدفع الثمن مقدماً، النساء تدفع الثمن دوماً، لا بديل عن القتال، ولا عن الإيمان بأن حقوق النساء أولاً، فالمرأة وطن، والمرأة مستقبل.
مصدر الخبر