ستة سنوات تمر اليوم على إصدار منظمة العمل الدولية الاتفاقية 190 بشأن العنف والتحرش في عالم العمل التى صدرت فى 19 يونيو 2019 . قبلها وما بعدها حملات ومطالبات ونقاشات واسعة حول الحماية من العنف فى أماكن العمل المختلفة باعتبارها محددا هاما لزيادة معدلات تشغيل النساء وخاصة بعد إضافة المبدأ الخامس من مبادئ العمل الأساسية عام 2022 لكى تصبح
هذه المبادئ تعنى ان جميع الدول المنضمة الى منظمة العمل الدولية ملزمة بتطبيقها اجمالا حتى وان لم تصدق على اتفاقيات بعينها بينما تضع الاتفاقيات اطارا واضحا لهذا التطبيق ينعكس بالضرورة على التشريعات القانونية والسياسات والاستراتيجيات الوطنية
طوال السنوات الماضية لم تتوقف الحركات النسوية والعمالية فى كل الدول عن رصد وتوثيق الاثار المركبة للعنف فى المجال العام على تواجد النساء فى سوق العمل الذى يتراجع بصورة مقلقة فى ظل غياب اطار تشريعى حاسم الامر الذى يجعل من الاتفاقية 190 والتوصية 206 الملحقة بها ضرورة ملحة بما شملته من حقوق وضمانات واعادة تعريف للعنف والعنف المبنى على النوع الاجتماعى وكذلك بما اشتملت عليه من حماية للشهود والمبلغين\ات من التنكيل والتعسف وصولا الى الدعم النفسى وجبر الضرر ، بل قد تطرقت الاتفاقية الى مسؤولية تخفيف اثار العنف المنزلى على النساء من خلال مؤسسات العمل والتنظيمات النقابية لكى تتاح لهن الفرصة للانخراط مرة اخرى ورفع كفاءة الانتاجية لعملهن فى ظل سياق ثقافى يمارس فيه العنف على النساء فى المجالين العام والخاص
وخلال هذه السنوات ناضلت المجموعات النسوية والنقابية من اجل التصديق على الاتفاقية 190 وتضمين مواد الحماية من العنف فى قوانين العمل وتحديدا فى قانون العمل الموحد ، يعد قانون العمل الموحد واحدا من أهم التشريعات الاجتماعية التي تمس حياة ملايين المواطنين المصريين /ات وينظم العلاقة بين طرفي العملية الانتاجية وبذلك يؤثر على السلم المجتمعى فعلاقات العمل المتوازنة أهم ركائز استقرار المجتمع وبنيته الاقتصادية والاجتماعية
وعلى الرغم من الملاحظات المتعلقة بالقانون الجديد الا ان التعديلات التى اضيفت فيما يتعلق بالعنف والتحرش والتمييز تعتبر خطوة جيدة على طريق الحماية لا يمكن انكارها حيث جاء فى الباب الاول الخاص بالتعريفات تعريف كلا من التحرش والتنمر كما يلى
التحرش : كل فعل او سلوك فى مكان العمل او بمناسبته يشكل تعرضا للغير باتيان امور او ايحاءات او تلميحات جنسية او اباحية سواء بالاشارة تو بالقول او بالفعل باية وسيلة بما فى ذلك وسائل الاتصالات السلكية او اللاسلكية او الالكترونية او اية وسيلة تقنية اخرى .
التنمر : كل فعل او سلوك فى مكان العمل او بمناسبته سواء بالقول او باستعراض القوة او السيطرة على الغير او استغلال ضعفه او لخالة يعتقد مرتكب ذلك الفعل او السلوك انها تسئ للغير الجنس او العرق او الدين او الاوصاف البدنية او الحالة الصحية او العقلية او المستوى الاجتماعى بقصد تخويفه او وضعه موضع السخرية او الحط من شانه او اقصائه من محيطه الاجتماعى باية وسيلة بما فى ذلك وسائل الاتصالات السلكية او اللاسلكية او الالكترونية او اية وسيلة تقنية اخرى .
مادة 4
يحظر تشغيل العامل سخرة او جبرا كما يحظر التحرش او التنمر او ممارسة اى عنف لقظى او جسدى او نفسى على العامل وتحدد لائحة تنظيم العمل والجزاءات بالمنشاة الجزاءات التاديبية المقررة لها .
مادة 254
تلتزم المنشات وفروعها بتوفير بيئة عمل امنة وغير عدائية خالية من التحرش والتنمر والعنف وتوفير الوسائل الكفيلة بالوقاية منهم
ويصدر الوزير المختص قرار بتحديد نماذج لمدونة السلوك الوظيفى والقواعد والاجراءات اللازمة لتقديم الشكاوى وسبل تسويتها واتخاذ الاجراءات اللازمة فى شانها
مادة 274
يلتزم صندوق الخدمات الاجتماعية والصحية والثقافية بتقديم الخدمات التالية
(10) مشاركة العمال واصحاب العمل فى توفير بيئة عمل امنة خالية من العنف والتحرش والتنمر من خلال اقامة الندوات التوعةية وتمويل المشروعات التنموية التى تستهدف ذلك متى توافرت الموارد .
ويعتبر ادراج تعريفات التحرش والتنمر فى القانون تقدما ملحوظا الا انه يعيبه غياب ضمانات الحماية التى نصت عليها اتفاقية 190 للشهود والناجيات من العنف فلا توجد إجراءات واضحة للإبلاغ والتعامل مع الشكاوى، كما أن غياب وحدات مختصة داخل أماكن العمل للتعامل مع هذه القضايا يُرسّخ مناخًا من الصمت والخوف لدى النساء العاملات كما خفف القانون عقوبة التحرش فى العمل عن العقوبات التى ينص عليها قانون العقوبات والتى تشتمل السجن بينما اقصى عقوبة فى قانون العمل هى الغرامة المالية التى لا تتعدى مائة الف جنيه ، وان كانت العقوبة الاشد بقانون العقوبات هى الارجح للتطبيق الا انه كان ينبغى النص عليها صراحة ولذلك تتجه اعيننا الى القرارات الوزارية المكملة للقانون والى ضرورة التصديق على الاتفاقية . لان هذه التعديلات – وان حدثت بعد نضال طويل – الا انها ليست كافية وحدها وينبغى التراكم عليها وبناء تحالفات مدنية لدعمها من اجل التفعيل والتطوير وفى طريق التصديق على الاتفاقية وليس الاكتفاء بتعديلات القانون حيث ان الاتفاقية والتوصية كلاهما ينطوى على تفاصيل اخرى غاية فى الدقة والوضوح تتعلق بادوار مفتشين العمل والتنظيمات النقابية ومسؤولية الدولة واصحاب العمل عن حماية العمال والعاملات من اشكال العنف المختلفة فى عالم العمل . وكونه أهم التشريعات الاجتماعية كان يستلزم صدوره حوار مجتمعي واسع مع كافة قوى واطياف المجتمع من عمال ونقابيوين ومؤسسات مجتمع مدني واحزاب سياسية وهو مالم يحدث واقتصر على فئات قليلة وحوار شكلي وليس حقيقي , وهذا اهم أسباب رفضنا للمشروع القانون الجديد
في ظل التحولات التشريعية التي تشهدها بيئة العمل، يأتي قانون العمل الجديد ليفتح الباب أمام تساؤلات جوهرية حول مصير حقوق النساء العاملات. فعلى الرغم من احتواء مشروع القانون على بعض البنود التي يمكن اعتبارها مكاسب شكلية، إلا أن غياب الضمانات الحقيقية للحماية من التعسف والتمييز يطرح مخاوف كبيرة حول مدى فعالية تلك النصوص على أرض الواقع وتظل إشكالية التنفيذ هي التحدي الأكبر، فالمكاسب تظل نظرية في ظل:
وبالتالى يمثل قانون العمل الجديد خطوة متقدمة نحو الإنصاف القانوني للنساء، لكنه لن يكون كافيًا ما لم ترافقه إرادة حقيقية لتفعيل مواده، وتغيير ثقافي داخل بيئة العمل والمجتمع ككل. فحقوق النساء لا تتحقق بالنصوص فقط، بل بالفعل الجماعي لتجسيد هذه الحقوق واقعًا يوميًا يليق بدور المرأة في التنمية وبكرامتها الإنسانية