عزيزة أمير .. أول مخرجة سينمائية في العالم

بحث المرأة في المنظمات الأهلية_ حالة مصر
أكتوبر 10, 2010
بلد الحجاب.. يا مصر
أكتوبر 11, 2010

راندا أبو الدهب

رغم أن البعض لازال يري الاخراج السينمائي امتيازا ذكوريا فحسب، الا أن ميلاد صناعة السينما المصرية، كان علي يد امرأة قامت بالاخراج والتأليف و الانتاج، بل اعتبرت أول مخرجة سينمائية في العالم، أنها عزيزة أمير، التي اقترن اسمها بتاريخ السينما المصرية كمؤسسة لهذه الصناعة في مصر وفي البلاد العربية بشكل عام، فهي صاحبة الفيلم العربي الأول، وأول سيدة مصرية تجرأت على اقتحام ميدان الإنتاج السينمائي وذلك بالفيلم الصامت “ليلى” الذي عرض بدار سينما “متروبول” في السادس عشر من نوفمبر عام 1927، وقامت فيه بتمثيل دور البطولة، أما عن الاخراج السينمائي فقد أخرجت عام 1929 فيلم “بنت النيل”، عن مسرحية “احسان بيك”، تأليف محمد عبد القدوس.

اسمها الحقيقي “مفيدة محمد غنيم” لكن عندما التحقت بالعمل في مسرح رمسيس أطلق عليها يوسف وهبي صاحب الفرقة والمسرح اسم “عزيزة أمير”، وأطلقت على نفسها اسم “إيزيس”، ولدت في دمياط بشمال مصر في السابع عشر من ديسمبر عام 1901، و1908 في مصادر اخري.

وقد نشأت عزيزة أمير يتيمة، مات والدها بعد خمسة عشر يوماً من ميلادها، وأمضت طفولتها في الإسكندرية، ثم انتقلت مع أسرتها إلى القاهرة، وعاشت في شارع خيرت بالقرب من حي السيدة زينب، وتعلمت القراءة والكتابة ومبادئ العزف على البيانو لأنها كانت تتمنى أن تصبح موسيقية، ثم تعلمت فيما بعد اللغة الفرنسية، وان لم تحصل علي شهادة دراسية ، الا انها كانت

على قسط من الثقافة، نشأت تحت رعاية شخصية سياسية معروفة، كان صاحبها عضواً في البرلمان وله نشاط أدبي،صدرت له مؤلفات عدة ، وكان ينشر مقالاته في الصحف، ويقال بأنها قد تزوجت من هذا الرجل، إلا أن هذا الزواج لم يستمر طويلاً، لأنه كان يكبرها بسنوات و متزوجاً بأخرى وله أبناء، فانفصلت عنه بالطلاق.

وقد اهتم هذا الرجل بتعليمها بحكم صلات القربى بينه وبين أسرتها، كما صحبها في رحلة مع أسرته إلى أوروبا ساعدت على اتساع مداركها وأفق تفكيرها، فأحبت الأدب والفن، وترددت على المسارح واستوديوهات السينما. كما تعرفت أثناء رحلتها إلى أوربا بالمخرج العالمي دافيدوارك جريفيت، منشئ السينما في هوليوود، حيث عرض عليها الظهور في أحد أفلامه العالمية.

رغم انها مؤسسة صناعة السينما ، فإنها دخلتها من باب المسرح، عن طريق فرقة رمسيس المسرحية، فقد قرأت اعلانا في الصحف في صيف عام 1925، بأن يوسف وهبي يطلب وجوهاً جديدة لفرقة رمسيس، التي كان قد أسسها قبل عامين من ذلك الوقت، فأرسلت إليه خطاباً وأرفقت به صورتها، وأبدت فيه رغبتها بالعمل في المسرح، بل طلبت منه أن يعطيها دور البطولة، فأعجب يوسف وهبي بثقتها في نفسها، ودفع بها إلى خشبة المسرح في دور العروس الخجولة في مسرحية بعنوان “الجاه المزيف”.

ظلت عزيزة أمير مع يوسف وهبي موسماً واحداً فحسب، ثم تنقلت بين فرقتي “شركة ترقية التمثيل العربي” و”نجيب الريحاني”، حيث مثلت في الفرقة الأولى مسرحيات “ليون الأفريقي”، “إحسان بيك”، “المجاهدون”، “فرانسيسكو”، “الشرف الياباني”، ومع الفرقة الأخرى مثلت مسرحية “الآنسة بطاطا”. ثم عادت الى فرقة رمسيس وقامت ببطولة مسرحية “أولاد الذوات”، والتي تحولت الى فيلم سينمائي، كانت مرشحة لتمثيل دورها فيه، إلا أن الدور قد ذهب الى الفنانة أمينة رزق.

وكان آخر دور مثلته عزيزة أمير على المسرح هو دور “بريسكا” في مسرحية “أهل الكهف” لتوفيق الحكيم، والتي إفتتحت بها الفرقة القومية موسمها الأول في عام 1935.

في‏ ‏الثامن‏ ‏والعشرين‏ ‏من‏ ‏شهر‏ ‏ديسمبر‏ ‏عام‏ 1895 ‏عرض‏ ‏أول‏ ‏فيلم‏ ‏سينمائي‏ ‏أمام‏ ‏جمهور‏ ‏تواق‏ ‏لمشاهدة‏ ‏هذه‏ ‏الأعجوبة‏ ‏الجديدة‏ ‏في‏ ‏باريس‏، بالجراند‏ ‏كافيه الكائن‏ ‏بشارع كابوسين بالعاصمة‏ ‏الفرنسية‏ ‏علي‏ ‏يد‏ ‏مخترعها‏ ‏لويس‏ ‏لوميير‏.‏

أما‏ ‏عن‏ ‏تاريخ‏ ‏السينما‏ ‏في‏ ‏مصر‏ ‏فقد‏ ‏أجمعت‏ ‏الكتابات‏ ‏التاريخية‏ ‏علي‏ ‏يوم‏ 5 ‏نوفمبر‏ 1896 ‏كأول‏ ‏عرض‏ ‏سينمائي‏ ‏توغرافي‏ ‏عرفته‏ ‏مصر‏ ‏وذلك‏ ‏بمدينة‏ ‏الإسكندرية‏ ‏وتحديدا‏ ‏في‏ ‏بورصة‏ طوسون‏،‏وشهدت‏ ‏القاهرة‏ ‏أول‏ ‏عروضها‏ 28 ‏نوفمبر‏ ‏بصالة‏ ‏همام‏ ‏شنيدر‏ ‏في‏ ‏ابنيه‏ ‏البرنس‏ ‏حليم‏ ‏بالأزبكية‏ ‏بالقرب‏ ‏من‏ ‏فندق‏ ‏شبرد‏ ‏القديم‏.‏

أما عن “عزيزة أمير” و السينما، فقد بدأت بحادثة طريفة،حيث مرضت فترة لازمت فيها الفراش، فاشترى لها زوجها أحمد الشريعي، أحد أعيان الصعيد ، آلة عرض سينمائية صغيرة تشاهد عليها الأفلام الأجنبية للترفيه عنها في تلك الفترة، لكنها طلبت منه أن يشتري لها آلة تصوير سينمائية صغيرة لتصور بها أفلاماً عائلية على طريقة الهواة، ومن ثم تشاهدها على شاشة العرض في البيت، وبدأت بتصوير فيلم مدته خمس دقائق ظهرت فيه مع أفراد العائلة والصديقات اللواتي كان من بينهن زينب صدقي وأمينة رزق وأمينة محمد، ولم يفتها أن تكتب في مقدمته تصوير وإخراج عزيزة أمير.

في بداية عام 1926، جاء الى القاهرة الفنان التركي المغامر”وداد عرفي” الذي اقترن اسمه دائماً بتاريخ نشأة السينما المصرية، بالرغم من أن جميع محاولاته في هذا الميدان كانت مجرد مشروعات بدأ بتنفيذها ثم قام بإتمامها غيره، كان له الفضل في إقناع عدد من السيدات المصريات بالنزول الى ميدان الإنتاج عزيزة أمير ـ فاطمة رشدي ـ آسيا.

نجح “وداد عرفي” في اقناع “عزيزة أمير” بإنتاج فيلم “ليلي”، الذي سبق و أن أخرجه في فصلين باسم “نداء الله”، وقام فيه بدور البطولة أمام عزيزة أمير، ثم أعيد إخراجه في خمسة فصول بالاسم الجديد، بعد حذف دوره، وإسناده الى “أحمد علام” ليصبح أول فتى أول في تاريخ السينما المصرية. أما الإخراج فقد أكمله “ستيفان روستي” بالاشتراك مع “أحمد جلال” و”حسين فوزي” ومصور الفيلم الإيطالي “تيليو كياريني”، واشترك في تصويره المصور المصري الهاوي حسن الهلباوي، وتم تصوير الفيلم بين الهرم وسقارة وشوارع القاهرة، بينما تم التحميض والطبع في منزل منتجة الفيلم الذي تحول الى أستوديو في شارع البرجاس بحي جاردن سيتي.

أما قصة الفيلم فهي تدور بين الريف والمدينة، وبطلتها ليلى ـ وهي فتاة من الريف ـ تقع في حب البطل أحمد الشاب البدوي الذي يعمل دليلاً سياحياً، لكنه يقع في حب سائحة أمريكية ويرحل معها الى الخارج، ويخلف في قلب ليلى جرحاً عميقاً. ويتخلل الفيلم أحداث ميلودرامية كثيرة، حيث يحبها قروي لا تجاوبه الحب، ويحاول مالك الأرض الاعتداء عليها فلا تمكنه من ذلك وتهرب من القرية الى المدينة.

اشترك بالتمثيل في فيلم “ليلى”، مع عزيزة أمير و أحمد علام، كل من عمر وصفي، أحمد جلال، حسين فوزي، ماري منصور، والراقصة القديمة بمبة كشر التي كانت تربطها صلات القربى مع منتجة الفيلم، ولا يمكن لعزيزة أمير أن تنسى ليلة العرض الأول لباكورة إنتاجها وإنتاج السينما المصرية، كان في مقدمة الحاضرين زعيم الاقتصاد المصري محمد طلعت حرب وأمير الشعراء أحمد شوقي والموسيقار الشاب محمد عبد الوهاب، بالإضافة الى رجال الصحافة والفن والأدب.

فى ” ليلى” تقع الفتاة الريفية ليلى فى غرام أحمد الذى يعمل دليلاً للسياح، وتحمل منه، ولكنه يتركها ويهرب مع سائحة أمريكية، فتفر ليلى من القرية إلى القاهرة حيث تلد طفلها وتنتحر. وقد احتج الجمهور على نهاية الفيلم، فأعيد تصويرها لتكون نهاية سعيدة يعود فيها أحمد إلى ليلى مستغفراً ونادماً.

“…يكفيني فخراً يا حضرات السادة، إن صناعة السينما قد تقدمت هذا التقدم الكبير، وأن أكون أنا الفدية والقربان…”، كانت هذه كلمات الفنانة عزيزة أمير في المؤتمر الأول للسينما المصرية عام 1936، بعدها انهمرت الدموع من عينيها، ولم تستطع أن تكمل كلمتها، حيث استغرقت في البكاء. كيف لا وهي بمثابة الأم الشرعية للسينما المصرية.

بعد إنتاجها للفيلم الأول “ليلى” عام 1927، تبعته بفيلم من اخراجها “بنت النيل” الذي عرض في الثاني من ديسمبر عام 1928.

في بداية الثلاثينات قامت بإنتاج فيلم ثالث بعنوان (كفري عن خطيئتك) الذي عرض في الثالث والعشرين من مارس عام 1933، والذي تكبدت فيه خسائر كبيرة، فقد كان فيلماً صامتاً عرض في عهد الفيلم الناطق، علماً بأن فيلم “ليلى” قد در عليها أضعاف تكاليفه، وذلك بسبب ريادته للسينما المصرية والعربية، فقد عرض في جميع دور السينما الموجودة في مصر،فضلا عن دول عربية أخري.

توقفت عزيزة أمير عن الإنتاج من جراء خسارتها (كفري عن خطيئتك)، وأخذت تراقب تطور الحركة السينمائية التي أنشأتها. فقد تكونت شركات إنتاج عدة، بعضها كان موجوداً من قبل كوندور فيلم ـ لوتس فيلم والبعض الآخر أنشئ فيما بعد مثل: رمسيس فيلم ـ فنار فيلم ـ عبد الوهاب فيلم، وأفلام بهنا ـ موصيري ـ مزراحي ـ نحاس، ثم شركة مصر للتمثيل والسينما التي أنشأت أستوديو مصر عام 1935، وبدأت تخرج منه النهضة السينمائية الحقيقية.

عادت “أميرة عزيز” مرة أخري الي السينما من خلال انتاج وتمثيل فيلم “بياعة التفاح” أول أفلامها الناطقة، عن قصة من تأليفها، وساعدها في كتابة السيناريو المخرج حسين فوزي، الذي أسندت اليه مهمة اخراج الفيلم ، الذي شارك فيه “بيرم التونسي” بعد عودته من المنفي ، للمرة الاولي له في كتابة الحوار فضلا عن كتابته لأغاني الفيلم ، وقام بالغناء مطرب “عزيزة أمير” المفضل “حسن مختار صقر”، الذي قدمته في كل أفلامها ، كما قدمت فيه وجهاً جديداً هو “محمود ذوالفقار” الذي قام أمامها بدور البطولة مع أنور وجدي، وقد تزوجت عزيزة أمير هذا الوجه الجديد وأصبح شريكها في الحياة والأفلام.

واستمرت عزيزة أمير في الإنتاج باسم شركتها “إيزيس فيلم”، فأنتجت خمسة وعشرين فيلماً، حتي ختمت مشوارها الفني بإنتاج فيلم (آمنت بالله) الذي عرض بدار سينما الكوزمو في الثالث من نوفمبر عام 1952، بعد أن احترقت بعض فصوله في حريق القاهرة في السادس والعشرين من يناير عام 1952، وكاد يحتجب دون أن يرى النور، بعد وفاة بطلته بعد يومين من نفس التاريخ، لولا أنه قد أجريت عليه بعض التعديلات، وعرض الفيلم في الموسم التالي، وقد وضعت باقة زهور كبيرة في مكان البطلة الراحلة.

وبالرغم من أهمية هذه الفنانة الرائدة في تاريخ السينما المصرية كمنتجة وممثلة، إلا أن أفلامها الأولى الصامتة غير موجودة في مكتبتنا السينمائية، والتي من المفترض أن تحتفظ بتراث السينما المصرية. هذا إضافة الى أن التليفزيون العربي لم يعرض أي من أفلامها الناطقة، حيث يوجد كثير منها صالح للعرض، وعدد آخر يحتاج الى إعادة طبع.

إن القيمة الحقيقية لهذه الفنانة الرائدة، ليست في تأسيس صناعة السينما المصرية، ولا في اكتشاف النجوم والمواهب في شتى فروع الفن السينمائي فحسب، وإنما في مقدرتها الفنية وخبرتها في الإنتاج والتأليف أيضاً، بجانب براعتها في التمثيل. وكان أملها أن تصبح أماً، لكنها كانت دائماً تعزي نفسها، وتقول: (…لقد أنجبت بنتاً واحدة اسمها السينما المصرية…).

ولا نغفل أن إلى جانب عزيزة أمير، كانت هناك مخرجات رائدات في السينما، مثل بهيجة حافظ، التي أخرجت فيلم (الضحايا) عام 1932، وفاطمة رشدي، التي أخرجت فيلم (الزواج) عام 1932، وأمينة محمد علي، التي أخرجت في تلك المرحلة فيلم (تينا وونغ).

==============

المـــــــــراجع‏:‏

(1) سينماتك

‏ (2) ‏تاريخ‏ ‏السينما‏ ‏في‏ ‏مصر – أحمد‏ ‏الحضري

‏ (3) ‏قصة‏ ‏السينما – سعد‏ ‏الدين‏ ‏توفيق

‏ (4) ‏تاريخ‏ ‏السينما‏ ‏العربية‏ ‏الصامتة – للاتحاد‏ ‏العام‏ ‏للفنانين‏ ‏العرب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.